حوادث مرور لا تسقط من الذاكرة بالتقادم

38serv

+ -

ارتدت فستانها الأبيض في ليلة العمر، لكن القدر كتب لها أن تزف في تابوت إلى الرفيق الأعلى، فبدلت الزغاريد بالصراخ وعوضت البسمة بالبكاء، فألغي حفل الزفاف وتحول المنزل من فضاء فرح إلى مجلس عزاء يبكي فيه الضيوف عروس مفتاح، التي تعرض موكب زفافها إلى حادث مرور قبل وصولها إلى بيت الزوجية ببلدية بوطي سايح في المسيلة... هكذا أصبحت الطرقات تتلاعب بحياتنا، تفسد علينا الفرحة في أعز المناسبات وتصنع مآسي عائلات بأكملها.

وراء حوادث المرور التي تتكرر يوميا على طرقاتنا، تختفي قصص مبكية المؤلم فيها أنها تحدث في لحظات فرح وسعادة، مثلما حدث مع عروس مفتاح البالغة من العمر 19 سنة، التي لم تتوقع أن حياتها الزوجية ستنتهي قبل أن تبدأ، وتنتهي أحلامها الرومانسية في حادث سير.

وفي تفاصيل هذه الحادثة الأليمة التي صدمت كل الجزائريين، كان موكب الزفاف بصدد نقل العروس"خ" إلى بيت الزوجية انطلاقا من منزلها العائلي الواقع ببلدية مفتاح بالبليدة نحو بلدية بوطي سايح في المسيلة، ليتعرض الموكب إلى حادث مروري على مستوى منطقة الباسان ببلدية ديرة بولاية البويرة.

ووفقا لخلية الإعلام والاتصال بمديرية الحماية المدنية لولاية البويرة، نتج الحادث عن انقلاب سيارة واصطدام محركها بسيارة أخرى، وأسفر عن إصابة أربعة أشخاص تم نقلهم إلى مستشفى سور الغزلان لتلقي العلاج.

وللأسف، لفظت العروس أنفاسها الأخيرة في المستشفى متأثرة بجروحها، مما خلف صدمة وحزنا كبيرين بين أهلها وسكان المدينة.

هذه القصة رغم مأساويتها إلا أنها ليست الأسوأ، ففي صيف العام الماضي حوّل حادث مروري وليمة فرح إلى مأتم حقيقي في لحظة بسبب المناورات الخطيرة التي تتكرر في مواكب الأعراس، حيث لقي ثلاثة  أشخاص حتفهم إثر تجاوز خطير لصاحب مركبة كانت ضمن موكب زفاف بمنطقة حجرة الرسم بين بلديتي بابار وأنسيغة في ولاية خنشلة.  

الحادث وقع حين تجاوز صاحب مركبة سياحية ـ كان ضمن موكب زفاف قادما من بلدية بابار باتجاه مدينة خنشلة ـ ليتفاجأ بمركبة أخرى قادمة في الاتجاه المعاكس، فوقع الاصطدام مخلفا وفاة ثلاثة أشخاص تتراوح أعمارهم بين 23 و 25 سنة.

كما خيمت أجواء الحزن على بلدية بورقيقة في تيبازة، العام المنصرم، وانقلب المنزل العائلي للضحية من فضاء فرح إلى مجلس عزاء، والضحية هذه المرة كانت طفلة في السابعة من العمر.

الحادث وقع إثر انقلاب السيارة التي كانت  تقل الطفلة ريناد برفقة أقاربها في الطريق الرابط بين قرية الهواري أحمد، المعروفة بالساحل ومدينة بورقيقة، على مستوى منعرج خطير يطلق عليه السكان المحليون منعرج الموت.

الاستهتار بقانون المرور أضحى أمرا عاديا على الطرقات، حيث نجد سائقين يقومون بمناورات خطيرة، يفرطون في السرعة أو على الأقل لا يتعاطون مع الطريق بما يكفي من الحيطة والحذر، فيتسببون في مصائب لعائلات قد تفقد جميع أفرادها في لحظة طيش وتهور.  

هنا تستوقفنا قصة عائلة "بن نعجة" من سطيف التي فقدت 8 من أفرادها، بينهم طفل في الرابعة من عمره في حادث مروري أليم، عندما كانوا بصدد العودة من زيارة عائلية قادتهم إلى إحدى الولايات الجنوبية.

الحادث المأساوي الذي وقع على الطريق الوطني رقم 78، وبالضبط  بمنطقة الضاية ببلدية بيطام 100 كلم جنوب ولاية باتنة، نجم عن اصطدام عنيف وقع بين شاحنة ذات مقطورة وسيارة سياحية كان على متنها الضحايا الذين ينحدرون من بلدية الولجة دائرة بئر العرش بولاية سطيف.

الرحلات السياحية هي الأخرى قد تنتهي بفاجعة على "طرقات الموت"، كما حدث بمنطقة تيكجدة في فيفري 2023، عندما تعرضت حافلة تحمل ترقيم 16 لعطب الفرملة كانت في رحلة العودة إلى الجزائر العاصمة وبالضبط بلدية برج الكيفان. فهوت الحافلة بأحد المنحدرات بعمق 150 مترا عبر الطريق الوطني رقم 33 الرابط بين ولايتي البويرة وتيزي وزو بمنطقة تيكجدة التابعة لبلدية الأصنام، مخلفة وفاة 10أشخاص تتراوح أعمارهم بين 5 سنوات و 75 سنة بالإضافة إلى 25 جريحا.

ويعد فصل الصيف ذروة مجازر الطرقات بالجزائر، حيث سجلت المديرية العامة للحماية المدنية 495 حالة وفاة و 21399 جريحا قضوا في أكثر من 16 ألف حادث سير منذ انطلاق موسم الاصطياف في 1 جوان إلى 19 أوت 2024.

وفي ظل هذا الارتفاع، لاحت مجموعة من الأسئلة حول الأسباب التي تقف وراء ارتفاع عدّاد حوادث السير خلال موسم الاصطياف، الذي يعرف حالة من اللاأمن في الطرقات، بالنظر لديناميكية حركة السيارات التي تقصد شمال البلاد كل صيف.

وفق المكلف بالإعلام في الحماية المدنية، الملازم كريم بن حفصي، يشهد فصل الصيف ارتفاعا في حوادث المرور لأسباب متعارف عليها تتعلق بالإفراط والسرعة، عدم احتراف قانون المرور، التجاوز على الخط المستمر، والتجاوز في المنعرجات المغلقة، وعدم التركيز في مقود السيارة بسبب استعمال الهاتف النقال، ناهيك عن التعب والإرهاق الذي يصيب السائقين بسبب قلة النوم والسهر الطويل.

ولفت بن حفصي إلى أن عشاق السرعة والمناورات الخطيرة  تسببت في مجازر مرورية منذ بداية العام، وذلك رغم إقرار تعديلات جذرية على القانون المنظم لحركة المرور بالبلاد، يشمل تشديد العقوبات على المخالفين، ومضاعفة الغرامات المالية على السائقين والمارة، حيث أحصت المديرية العامة للحماية المدنية منذ بداية موسم الاصطياف42011 حادث مروري من مجموع 75603 تدخل لأعوان الحماية المدنية عبر الوطن، خلف وفاة 1247 شخصا وإصابة 52536 آخرين بجروح. 

وأبرز بن حفصي أن مشكل حوادث السير يتعلق بتصرفات بعض السائقين المتهورين وغير المسوؤلين عبر الطرقات، بالإضافة إلى مواصلة قيادة بعض السواق لمركباتهم رغم التعب والإرهاق ونقص التركيز خاصة في الصباح الباكر، سيما مركبات نقل المسافرين والبضائع، مما يؤثر على صحتهم النفسية التي تعتبر أولوية وعاملا رئيسيا في التركيز.

في السياق نفسه، كشف الرائد قريني جمال من قسم أمن الطرقات بقيادة الدرك الوطني عن أرقام مرعبة لحوادث المرور المسجلة من 21 جوان إلى 25 أوت 2024، والتي تجاوزت الـ 1700 حادث مروري خلف 662 قتيلا و2858 جريح، أغلبها سجلت في بالولايات الساحلية والداخلية، تتصدرها ولاية البليدة بـ 30 قتيلا، الجلفة بـ 26 قتيلا، المسيلة بـ 24 قتيلا، تيبازة بـ 17 قتيلا والشلف بـ 14 قتيلا.

وأرجع محدثنا أسباب ارتفاع عداد حوادث السير في فصل الصيف إلى عدة عوامل، يأتي في مقدمتها تغافل السائق بـ 219 حادثا، وذلك بسبب الحرارة الشديدة والتعب، ما يخلف حالة من التوتر والضغط العصبي، وبالتالي قد تنحرف المركبة عن مسارها وتحدث الكارثة في غياب التركيز.

ويضاف إلى هذا العامل الرئيسي، عدم تخفيض السرعة في المنعرج بـ 211 حادث، السير على اليسار بـ 204 حادث، عدم احترام المسافة الأمنية بـ 161 حادثا قطع الطريق دون حذر بـ 123 حادثا، التجاوز دون أخذ الاحتياطات اللازمة بـ 115 حالة، حالة المركبات بـ 81 حادثا، إضافة إلى حالة المحيط والطرقات بـ 62 حالة، والسرعة المفرطة بـ 58 حادثا.