38serv
اختارت الحكومة المغربية مواجهة الأزمة متعددة الأبعاد، "الهروب الكبير" والدعوات للاحتجاج العام ضد استشراء الفساد، بتصريحات اختزالية للناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، تختصر الوقائع في ملاحقات قضائية لـ152 شخصا بتهمة "التحريض على الهجرة السرية"، و"جهات غير معروفة تستغل تأثير مواقع التواصل الاجتماعي"، إلى جانب "التظاهر بالأسف والحسرة لما وقع"، في حين الأزمة أعمق بكثير وتتعلق بقرار اتخذه آلاف الأشخاص للهجرة الجماعية، ودعوات عديدة للاحتجاج العام وغيها من مظاهر الأزمة الفرعية.
وتحاول الحكومة المغربية التقليل من شأن ما حدث بإخفاء الأرقام والحقائق، إلا أن الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، وجد نفسه، خلال المؤتمر الأسبوعي، أمام سيل من الأسئلة الوجيهة من الصحفيين، تستفسره عن أسباب وخلفيات الوقائع، في حين يقدم الموظف الحكومي إجابات سطحية وبعيدة تماما عن الوقائع وعن واقع الناس، الذين تحدوا الترسانة الأمنية في الحدود وواجهوها بصدور عارية. وعلى نفس النسق، تفاعلت وزيرة الإدماج والأمن الاجتماعي والهجرة الإسبانية، إلما سيز، بأسلوب سطحي لا يرقى إلى حجم الوقائع بقولها: "إن الهجرة غير النظامية هي مأساة إنسانية"، مشددة على أن سياسة الهجرة التي تتبعها الحكومة الإسبانية "تضع حقوق الإنسان في المقدمة، وتركز على العمل المستمر لضمان أن تكون الهجرة منظمة وآمنة وقانونية"، وفق تعبيرها.
وبالنسبة للدعوات العديدة للاحتجاج العام، فلم تكن هناك أسئلة ولا أجوبة ولا تعليق بخصوص الموضوع، ما يعكس، على ما يبدو، تفضيل الحكومة المغربية التعامل مع الأحداث بناء على مقاربة تتجاهل الأحداث وعدم الالتفات إليها، كي لا تتضخم، وهي مقاربة خاطئة تزيد من غليان وغضب الشارع، وفق ما تشير إليه دراسة لعالم الاجتماع، غوستاف لوبون، في كتابه الشهير بعنوان "علم نفس الجماهير".
ويتعين على النظام السياسي المغربي فهم مسببات الأزمة وبذروها وفتح قنوات الاتصال، وهي أزمة تبدو في داخل منظومة الحكم وفي قراراتها وسياساتها غير الشعبية، التي تعاكس إرادة الشعب المغربي، في العديد من الشؤون، أهمها قضية تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني بشكل كامل، وإبرام معه اتفاقيات في كل المجالات والمستويات. وطرحت الأحداث، وفق مراقبين، رصد آراءهم موقع قناة "فرانس 24"، تساؤلات بشأن مدى نجاح نموذج الدولة الاجتماعية في المغرب، مشيرين إلى أن الوقائع بمثابة "تحذير من أزمة هيكلية في السياسات الاجتماعية والاقتصادية"، "تضع البلاد أمام تحديات كبيرة تقتضي تبني مقاربات شاملة تستهدف تحسين الظروف المعيشية، والحد من الفوارق الاجتماعية".
وبحسب السلطات المغربية، فقد جرى توقيف 4455 مرشحا للهجرة، منهم 3795 مغربيا راشدا و141 قاصرا و519 مهاجرا أجنبيا، في الفترة الممتدة بين 11 و16 سبتمبر، في حين أن الصور والفيديوهات والمشاهد تبيّن أكثر من هذا العدد بكثير، وهي معالجة إعلامية تعزز فرضية ذهاب الحكومة المغربية إلى اختزال وتقزيم ما يحدث، حتى لا يبدو للرأي العام الدولي بمثابة أزمة دولية تقتضي التدخل وإجراء بشأنها جلسة طارئة في مجلس الأمن، خاصة وأنه تم تسجيل وتوثيق ممارسات تعذيب وتعنيف واحتجاز واعتقال في ظروف غير إنسانية.
ومن المفارقة، أن الأحداث تأتي في سياق إشادة غربية بـ"النهضة التنموية التي تعرفها المملكة وجهودها للنهوض بالقطاع الاقتصادي وتحسين الوضع الاجتماعي الداخلي"، ما يطرح تساؤلات حول جدية ومصداقية التصريحات الأوروبية في ما يجري في المغرب، الذي ألفت التعامل معه كامتداد لها أو أقل.