38serv
تكشف تصريحات نائب رئيس الحكومة المالية عبد الله مايغا، بالأمم المتحدة، والتي استخدم فيها ألفاظا غير دبلوماسية واتهامات غير مؤسسة للجزائر، أن باماكو انخرطت في لعبة غير مرتبطة بأجندتها ولعبة ليست في مصلحتها، لأنها استهدفت الجهة الخطأ التي كانت حامي ظهرها الحقيقي.
عبد الله مايغا، الذي لم يجد حرجا في أن يمن على الجزائر بما فعله أجداده المخلصون، وما قدموه للجزائر خلال ثورة التحرير، من سند ودعم، وهو ما لا تنكره الجزائر ولا تجحده، بل تحتفي به وتمجده وتثمنه، ليس شعارات ولكن من خلال الأفعال على الأرض، والأحداث والشواهد التاريخية تثبت صحة ذلك، فالجزائر التي كانت دائما قريبة وتشد على مالي بالنواجد بدعمها بكل ما يمكن أن يدعم به الأخ أخاه والجار جاره، دعمت السلطات المالية المتعاقبة، بما فيها الحالية، في أحلك الامتحانات السياسية والأمنية التي مرت بها، كما كانت إلى جانب أبناء الشعب المالي في المحن التي مر بها خاصة خلال الكوارث الطبيعية ومده بالاحتياجات الغذائية اليومية التي تعبر يوميا حدود الجزائر، وتفتح الباب واسعا أمام أبنائه الذين وجدوا في الجزائر الحضن ومصدر العيش والاستقرار. هذا أقل ما يمكن أن تقدمه الجزائر ليس لمالي فقط، ولكن لكل البلدان الجارة وحتى البلدان البعيدة.
لكن أهم شيء قدمته الجزائر لمالي وللماليين أنها كانت السور الواقي لوحدة الدولة والأرض المالية، فإن غاب عن عبد الله مايغا ورئيسه الانقلابي عاصيمي غويتا ذلك، فوجب تذكيره بأنه في سنة 2012 لما أعلن الأزواد عن إنشاء دولتهم المستقلة عن مالي، كانت الجزائر أول دولة أعلنت معارضتها لهذا الإعلان، وأكدت دعمها الكامل وغير المشروط لوحدة أراضي مالي، وأكثر من ذلك فإن موقف الجزائر سبق حتى موقف باماكو حينها، وكان الأمر يهم الجزائر أكثر من حكومة مالي.
فلو كانت الجزائر تريد تقسيم مالي وتهدد وحدتها واستقرارها كما يدعي الانقلابيون اليوم في باماكو، لكانت فعلت ذلك منذ عقد من الزمن، فحجة مايغا ومن يقف وراءه في محاولة تشويه صورة الجزائر مردودة عليهم. الجزائر يومها تحركت بطلب وإلحاح من السلطات المالية لرعاية ما اصطلح عليه لاحقا "اتفاق للأمن والمصالحة في مالي" المنبثق عن مسار الجزائر، واستضافت جولات الحوار بين أبناء الشعب المالي، متحملة عناء مهمة تقريب الوجهات بين الأطراف المتنازعة، والأتعاب المرافقة لمثل هذه الوساطات والمفاوضات.
وإذا كان اتفاق الجزائر قد طويت صفحته من طرف الحكام الجدد، كما تحدث مايغا، وحاول التسويق في المقابل للحوار الوطني الذي أطلقه عاصيمي غويتا، فمن المهم ومن الواجب التذكير بأن هذا الحوار لم يكن وطنيا بل قاطعه أكثر من 80 حزبا سياسيا وجمعية مدنية، التي طالبت بحوار حقيقي يشمل الجميع ويسمح بنقل السلطة للمدنيين بأسرع وقت، مع العلم أن أهم نقاط خرج بها الحوار "الوطني" ارتبطت بتمديد الفترة الانتقالية لـ 3 سنوات، ما يجعل الفترة الانتقالية تستمر 5 سنوات، مع السماح للعقيد عاصيمي غويتا بالترشح للانتخابات الرئاسية في حال تنظيمها.
لا يمكن أن تحل إشكالات مالي العويصة والمعقدة بحوارات هذا هو سقف مخرجاتها، والتي لا تتعدى أن تكون تفصيل بدلة على مقاس عاصيمي غويتا للبقاء في الحكم على حساب الشعب المالي وآماله.
يبدو جليا أن قادة الانقلاب في مالي لم يحفظوا الدرس بل أكثر من ذلك هم يصرون على إهدار الفرص الثمينة التي بين أيدي مالي اليوم لبناء دولة بركائز متينة، قوامها مصالحة بين كل أبناء الشعب المالي ووفق مصلحته، وليس بالارتماء بين أحضان أسياد جدد بعضهم لا يعدو أن تكون دولا وظيفية، هي أصلا في حاجة لمن يساعدها على سد رمق أبنائها.