38serv
نبّهت وزارة الصحة، من خلال ومضة تحسيسية توعوية، بثتها عبر مختلف وسائل الإعلام، المواطنين إلى خطورة الاستهلاك المفرط والعشوائي للمضادات الحيوية، خاصة وأن المبالغة في استعمال هذه العقاقير تساهم في الحد من فاعليتها تجاه البكتيريا، وهو يجعل هذه المسألة "قضية صحة عمومية".
وظهرت خلال الومضة الإشهارية طبيبة تقوم بتقديم وصفة لوالدة طفل مريض بعد فحصه، مع إلحاح الأخيرة على الطبيبة من أجل أن تصف له المضادات الحيوية، لأن جسمه متعود عليها، إلا أن الطبيبة رفضت وأخبرتها أن حالته لا تستدعي ذلك.
ومع الاستخدام العشوائي والمتكرر لهذه العقاقير، نقل هذا الطفل على جناح السرعة إلى الإسعافات الأولية في حالة حرجة، وأخبرها الطبيب المعالج أن ابنها لديه بكتيريا صعبة قاومت كل المضادات الحيوية.
واستعملت وزارة الصحة، تقنيات لأمثلة أخرى لتقرب الخطر للمواطنين، ودونت على نفس الومضة الإشهارية: "لحماية أنفسنا وعائلاتنا، يجب استعمال المضادات الحيوية بحكمة وحذر، خاصة وأنها تعالج الباكتيريا فقط ولا تعالج الميكروبات الأخرى كالفيروسات، الطفيليات والفطريات.
ومن أجل الاستفادة من فعاليتها يجب تطبيق ما يقوله الطبيب، خاصة وأن الإفراط في استعمال هذه الأدوية تجعل البكتيريا تقاومها وتتغلب عليها، خاصة وأن مقاومتها في تزايد وعواقبها خطيرة على الإنسان، الحيوان والبيئة.
''ضرورة مشاركة جميع الأطراف في عملية التوعية"
كشف الرئيس الوطني للنقابة الوطنية للصيادلة الخاصة، الدكتور كريم مرغمي، أن الإعلان التوعوي الذي أنتجته وزارة الصحة، والذي يدعو المواطنين إلى عدم الإفراط في استهلاك المضادات الحيوية دون وصفة طبية، يشير إلى وجود مؤشرات تصاعد خطورة استخدام هذه الأدوية. ومع ذلك أشار إلى أنه حتى اليوم لا توجد أي دراسات ميدانية إحصائية موثوقة تساعد في تحديد الأسباب الحقيقية، التي أدت إلى زيادة استهلاك المضادات الحيوية.
وأوضح مرغمي في حديثه مع "الخبر"، أن الإعلان ركز على دور الصيدلي في توعية المواطنين بخطورة استخدام المضادات الحيوية بدون وصفة طبية، وهو أمر إيجابي. ولكنه انتقد عدم إشراك الصيادلة أو النقابة في أي حملات توعية أو أنشطة على أرض الواقع لمواجهة هذه الظاهرة.
وأضاف: "بالرغم من مشاركتنا في بعض الملتقيات والأيام الدراسية، إلا أن الصيادلة أو ممثلينا لم يُدعوا إلى المشاركة الفعلية". وتساءل: "هل يكفي مجرد إعلان توعوي؟ أم ينبغي إشراك الصيادلة بصفتهم مهنيي الصحة وممثليهم في مثل هذه الجهود؟
وتابع: "لماذا لا نشارك في دراسات ميدانية بالنظر إلى تواصلنا المباشر مع المواطنين من خلال أكثر من 12,500 صيدلية منتشرة في جميع أنحاء الوطن، حتى في المناطق النائية؟ وهذا من شأنه أن يمنحنا مصداقية أكبر في فهم الأسباب الحقيقية وراء زيادة استهلاك المضادات الحيوية بعيدًا عن الشعبوية والأحكام المسبقة غير المدعومة بأسس علمية".
"التحاليل المخبرية مهمة قبل وصف المضادات الحيوية"
أوضح المختص في الصحة العمومية، الدكتور فتحي بن أشنهو، في تصريح لـ"الخبر" أن منظمة الصحة العالمية كانت قد طرحت من خلال برنامج دولي حول الاستهلاك غير العقلاني للأدوية، وكان الأستاذ الجزائري هلالي عبد القادر قد طرح هذا الإشكال في التكوين القاعدي للطبيب منذ حوالي خمسين سنة.
وأردف الطبيب أن الوصفة أصبحت تعطى للمريض قبل الوصف للأسف، مشيرا إلى أن هنالك نوعان من التهاب اللوزتين إحداهما بسيطة وتعالج فقط ببعض المهدءات، وأخرى خطيرة ناتجة عن تعفن فعلي للميكروب وفي هذه الحالة تكون خطيرة وممكن أن تتسبب في أمراض القلب، مضيفا ان الميكروبات عبارة عن مخلوقات حية وعائلات كل واحد فيها له خصائص معينة.
وكشف بن أشنهو أنه يتعين على الأطباء قبل وصف المضادات الحيوية القيام بالتحليل للشخص المريض، خاصة وأن كل ميكروب لديه مضاد حيوي خاص به. كما أشار إلى أنه في حال وجود تعفنات يفترض أن يقوم الطبيب في هذه الحالة بأخذ عينة وتحليلها لمعرفة الدواء المناسب، لأن شربها العشوائي يمكن أن يؤدي للعقم,
كما أكد أن أغلب الأطباء لا يقومون بهذه الخطوة، وذلك لترويج أدوية المخابر التي يتعاملون معها والاستفادة من المزايا المقدمة لهم، غير آبهين بالأخطار الصحية التي يمكن أن تصيب المريض جراء الإفراط في هذه الأدوية.
"يجب أخذ الأدوية بوصفة طبية فقط"
قال المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك، فادي تميم، في حديثه مع "الخبر"، بأنه يوجد مشكلة كبيرة في الجزائر وهي الاستطباب الذاتي، حيث بات المستهلك يلجأ مباشرة بعد مرضه إلى استعمال الأدوية بعيدا عن الاستعانة بالطبيب. وأصبح المواطن يحدد بعض العلاجات المتداولة لكل مرض معين، ويلجأ مباشرة إلى الصيدلي لاقتناء الأدوية التي قد لا تكون مناسبة لوضعه الصحي، مما قد يسبب له مضاعفات خطيرة على صحته.
وأكد المنسق الوطني لمنظمة حماية المستهلك أن الاستثمار الذاتي والإفراط في استعمال المضادات الحيوية، لديها آثار جانبية خاصة في حالة ما قد اكتسب جسم الإنسان المناعة منها، فإنها تصبح غير فعالة من أجل الشفاء.
وأضاف أنه على المستهلك أن يقتنع أن كل حالة مرضية لديها علاج معين، وهذا لا يتأتى إلا عن طريق طبيب مختص بعد إجراء التحاليل اللازمة، إذ يمكن أن يكون الدواء ناجحا، لكن الحالة الصحية للمريض وجسمه لا يتقبل هذا الدواء، مما قد يسبب له مضاعفات صحية خطيرة قد تؤثر على جسمه على المدى الطويل.
وكشف المتحدث أن المنظمة منذ سنوات طويلة وهي تحارب الاستطباب الذاتي أو الاستعمال المفرط الأدوية، ومن إحدى زواياه الاستعمال المفرط المضادات الحيوية، وهذا الأمر يمكنه أن يأخذ أبعادا أخرى، خاصة وأن الأدوية في الجزائر تتوفر بكثرة بثمن منخفض، كما أن الصيدلي يقدم الأدوية للمستهلك بكل سهولة.
وأبدى تميم استحسانه لتسليط وزارة الصحة الضوء على هذه الظاهرة لتنبيه المواطنين من الآثار الجانبية المترتبة عن ذلك، من خلال الومضة الإشهارية التي تعتبر بداية حملة وطنية تنبيهيه للمواطن بأن لا يقوم المواطن باقتناء أي علاج يوصف من قبل صديق أو زميل تماشى هذا العلاج مع حالته المرضية، مؤكدا أن الطبيب يدرس الحالة بعد إجراء تحاليل معينة، وبعد ذلك يتمكن من تحديد الأدوية اللازمة.
وفي السياق ذاته، دعا المسؤول الجهات المعنية إلى تكثيف العمل بين جميع الأطراف المعنية للتوعية والتحسيس حول هذه النقطة، وخاصة أن هذه الظاهرة أصبحت عامة، ويجب التضييق عليها من خلال تحسيس الصيادلة بعدم منح الأدوية بدون وصفة طبية.