"فرانز فانون" في الجزائر العاصمة

38serv

+ -

حطَ فيلم "فرانز فانون"، للمخرج عبد النور زحزح، الليلة بالجزائر العاصمة، حيث جرى العرض الثالث له بعد مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي (أفريل 2024)، ثم الأيام السينمائية بجاية (سبتمبر 2024).

 قدَم زحزح فيلمه الذي ألَف قصته وأنتجه وأخرجه، بقاعة ابن زيدون برياض الفتح، أمام جمهور شغوف بقصة الكاتب والفليسوف والطبيب النفساني الثوري المارتينيكي، ذو الأصول الإفريقية، الذي عاش في الجزائر خلال حرب التحرير، كممارس متخصص في مستشفى الأمراض العصبية بولاية البليدة.

وأدى هذا الدور باقتدار، الممثل الفرنسي الذي ينحدر من هاياتي، ألكسندر دوسان.

 يستعرض العمل الفني، في 75 دقيقة، الفترة التي عمل فيها فانون بمستشفى "جوانفيل" بين عامي 1953 و1956، حيث يعيش الطبيب الثائر ضد الاستعمار، بجوارحه، معاناة المرضى الجزائريين المسلمين من المعايير المزدوجة في العلاج، قياسا إلى المرضى الأوروبيين، ما ترك في نفسه أثرا عميقا فاتخذ موقفا قويا من هذه الممارسات، وذلك بتغيير أساليب التداوي النفسي المعتمدة في المستشفى، مبديا معارضة شديدة لزملائه عندما يشدد على مناداة المرضى بأسمائهم لا بهوياتهم.

 ويذهب فانون، في استنكار المستعمر وفق طريقته، أبعد من ذلك، عندما ينظم احتفالا بالمولد النبوي الشريف داخل المستشفى، مستعينا بممرض فنان، هو المغني البليدي عبد الرحمن عزيز الذي يؤدي أغنية زاد النبي وفرحنا بيه"، الشهيرة، بينما الشموع تضيء المكان، وسط أطباق الطعام التقليدي.

وفي مشاهد طافحة بالإنسانية، يأخذ فانون المرضى في نزهة إلى جبل الشريعة بالبليدة، على سبيل تمكينهم من جرعات علاج غير مألوفة في "جوانفيل". ويلاحظ المتتبع لنضال فرانز فانون من أجل حرية الجزائر، أن الفيلم لا يقدم سيرة ذاتية عنه ولا يستعرض دوره الهام في دعم جبهة وجيش التحرير الوطني، بقدر ما يفرد جانبا، مستوحى من الخيال، لأسلوب وظفه في مهنته لمقاومة الاستعمار داخل مشفى تسيرَه ذهنية استعمارية.

 ويظهر هذا الإنتاج الفني أيضا، جوانب من حياة فانون الشخصية، بما في ذلك علاقته مع زوجته جوزي، التي كانت داعمة له في عمله ونضاله.

ويشارك في العمل، إلى جانب ألكسندر دوسان، نخبة من الممثلين الجزائريين والأجانب، منهم نيكولا درومار و جيرار دوبوش، وعمر بولعقريبة وآمال كاتب. وتم تصوير جزء من المشاهد في المستشفى الذي يحمل اليوم اسم المناضل الثوري، الأمر الذي عزز أبعاد الفيلم تاريخيا وثقافيا.

 وبدا المخرج حريصا على أن تتجلى عصارة فانون المعرفية في الفيلم، إذ يستعرض تصوراته حول الهوية والإنسانية ومناهضة الاستعمار، وذلك في مساهمة منه لفهم أعمق لأفكاره التي نُشرت في كتابه الشهير "البشرة السوداء، الأقنعة البيضاء".

كما يتناول الفيلم، الذي سيعرض على الجمهور في القاعات يوم 29 نوفمبر المقبل، التحديات التي واجهها فانون في سعيه لتحقيق تغيير حقيقي في المجتمع. وبرأي النقاد، نجح الفيلم في إبراز مقاومة الجزائريين للاستعمار وهم يرزحون تحته.

وتأتى ذلك، حسبهم، بفضل تصويره الجذاب والحوارات العميقة التي يتضمنها، فضلا عن كون المخرج اشتغل على تأثير فانون في الفكر الثوري والنضال من أجل حرية الجزائر، وهي مكوَنات ضمنت للفيلم تجربة فنية وتاريخية غنية عكست ذاكرة مليئة بالأوجاع.

 ويشار إلى أن العمل السينمائي، استفاد من دعم مالي من وزارتي الثقافة والصحة، فيما رفضت وزارة المجاهدين تقديم أي إسهام فيه، حسب المخرج، الذي أكد أن الفيلم لقي تشجيعا ماديا من شركة سوناطراك والديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة، والمعهد الفرنسي في الجزائر.