38serv
مع حلول الذكرى السبعين لاندلاع ثورة التحرير، لا تتوقف الجزائر عن مطالبة فرنسا بالاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائمها بحق الشعب تحت الاستعمار الفرنسي، وبينها نهب الثروات والخيرات إبان فترة الاحتلال الاستيطاني.
فرضت السلطات الاستعمارية الفرنسية نهبا ممنهجا لخيرات وثروات الجزائر طيلة 132 سنة من الاحتلال، عبر قرارات وإجراءات وقوانين متنوعة. وقال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عبد الرزاق صاغور، إن "كلمة استعمار تعني استدمار، نهب، استنزاف، وكل ما يمكن أن يدل على اغتصاب الموارد الطبيعية لهذا منذ دخول الاستعمار الفرنسي إلى الجزائر، بدأ بفرنسة الأرض، أي تهجير الجزائريين ومنح أراضيهم للفرنسيين، ثم تطبيق نظام الملكية حتى يقوم بتحويل أرض العرش والبايلك والحبوس إلى أملاك شخصية للمعمّرين، أما الموارد الأخرى، فحدّث ولا حرج." وتابع في تصريح لـ"الخبر": "كما أن اكتشاف النفط عام 1956 واستغلال مناجم الذهب والحديد والفحم ومختلف المعادن، كانت في خدمة الاقتصاد الفرنسي انطلاقا من أرض الجزائر".
وعندما دخل الاستعمار الفرنسي الجزائر، اكتشف الثروة المتمثلة في الأوقاف، من مدارس مساجد زوايا وجامعات تقليدية آنذاك، فأصدرت السلطات الاستعمارية عام 1843 قرارا بمصادرة الأوقاف الإسلامية في عموم الجزائر وإلحاقها بإدارة الأملاك الفرنسية "الدومين"، في موقف مخالف لمعاهدة استسلام الداي حسين في 5 جويلية 1830 التي نصت على عدم المساس بالمقدسات الإسلامية، واعتبار الأوقاف حرمة مقدّسة لا يجوز التعدّي عليها، واحترام أملاك الجزائريين.
وبحلول عام 1871، أصدرت فرنسا الاستعمارية أحد أهم قوانينها الذي كان له الأثر البالغ، حسب مؤرخين، على نهب خيرات وثروات الجزائر، وهو قانون الأهالي "السكان الأصليين". ومن أهم ما نص عليه القانون جعل سكان الجزائر الأصليين تابعين للمستعمرين، سواء كانوا فرنسيين أو أوروبيين. كما نجم عن هذا القانون تبعات أخرى، وهي تمليك الأراضي الزراعية الخصبة لمعمّرين قدموا من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا، هذا القانون جعل الجزائريين يعملون لدى المعمّرين وفق ما يعرف محليا بـ"الخماس"، ومعناه أن الجزائري لا يأخذ من محصول الأرض التي يخدمها هو سوى خمس الإنتاج.
وشهدت مرحلة الاستعمار عمليات تهجير للسكان الأصليين، ومصادرة أراضيهم الزراعية الخصبة، وحرمانهم من أبسط الحقوق. بالمقابل، ظلت ممتلكات الجزائريين تغذي فرنسا بكل ما لذّ وطاب، وحتى تنقلات الجزائريين الذين صار يطلق عليهم تسمية "الأهالي" أصبحت مقننة وتقتضي تراخيص من السلطات الاستعمارية.
وكان هدف قانون الأهالي تكبيل الجزائريين وفسح المجال أمام المستوطنين لاستغلال ونهب ثروات البلاد، واستمر العمل بقانون الأهالي وما نجم عنه من استغلال ونهب للثروات ومصادرة الأراضي الزراعية وطرد وتهجير السكان الأصليين إلى الأراضي القاحلة والجبلية إلى غاية العام 1945.
كما أصدرت السلطات الاستعمارية في الجزائر قانونا عام 1870 يعرف بـ"قانون كريميو"، فصلت بموجبه الجزائريين عن اليهود الذين منحتهم الجنسية الفرنسية، ونجم عنه امتيازات عديدة للجالية اليهودية، خصوصا في المجال التجاري.
ويؤكد باحثون ومؤرخون أن ما يزيد عن 110 طن من الكنوز الجزائرية من ذهب وفضة وأزيد من 180 مليار دولار تتواجد في فرنسا، وتشير المراجع التاريخية إلى وجود 7 أطنان و312 كيلوغراما من الذهب، و108 طن و704 كيلوغرام من الفضة وسبائك من التبر والذهب الخالص، الأحجار الكريمة والملابس الفاخرة، وغيرها من المدخرات الجزائرية والنقود الأجنبية، فما تم نهبه عند احتلال الجزائر يعادل 80 مليون فرنك، بحساب ذلك الزمن، وقد تتعدّى اليوم 80 مليار دولار، وبعض الفرنسيين قدّروها بـ180 مليار دولار. وبشكل عام، أثر الاحتلال الفرنسي على الاقتصاد الجزائري سلبيا، وتسبب في تدمير القطاعات الاقتصادية الرئيسية وفقدان الثروات والموارد، حيث استفادت فرنسا من الثروات الجزائرية في تطوير اقتصادها الخاص على حساب الجزائر.
ورغم مرور عشرات السنين، إلا أن ذاكرة التاريخ لا تزال شاهدة على ممارسات فرنسا الاستعمارية في الجزائر، التي تتمسك بحقها المشروع في الاعتراف بجرائم الاحتلال والاعتذار عنه، مع تعويض الضرر الناجم عنها. وقدمت الجزائر ضمن مهمة اللجنة الجزائرية الفرنسية للتاريخ والذاكرة، قائمة مفتوحة لممتلكاتها ذات الدلالات الرمزية المحفوظة في مختلف المؤسسات الفرنسية لاسترجاعها، لكن تعطل مسار عمل اللجنة المشتركة نتيجة التوترات المتواصلة بين الجزائر وفرنسا، يرهن مصير مساعي استرجاع الممتلكات الجزائرية المنهوبة.