38serv
انطلق النقاش حول مشروع قانون المالية 2025، أمس، تحت قبة البرلمان بقوة. فقد اغتنم نواب المجلس الشعبي الوطني الفرصة لتوجيه انتقادات لاذعة للوزراء الحاضرين في الجلسة والغائبين عنها على السواء، ونال وزيرا التجارة والصناعة نصيبهما من الانتقادات بخصوص "الفشل في تسيير ملفات السيارات وضبط السوق والندرة وعدم استباق الأزمات".
الجلسة الأولى من النقاش التي حضرها إلى جانب وزير المالية، لعزيز فايد، كل من وزير السكن والعمران والمدينة، محمد طارق بلعريبي، وزير الأشغال العمومية لخضر رخروخ، وزير النقل محمد لحبيب زهانة، وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي، فيصل بن طالب، تحولت إلى ساحة لتوجيه الانتقادات لأعضاء الحكومة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة إلى درجة أنّ بعض النواب المتدخلين طالبوا بتشكيل "حكومة لا تتعب تكون أهلا لرفع تحديات المرحلة". واستهلت الجلسة بعرض قدّمه وزير المالية لعزيز فايد لمشروع قانون المالية، حرص من خلاله على التأكيد على مواصلة الاقتصاد الوطني قدرته على الصمود بالرغم من التوترات الجيوسياسية والتقييدات النقدية التي تسود معظم دول العالم.
وذكّر فايد بالظرف الزمني الخاص الذي تم فيه تحضير مشروع هذا القانون، إذ تعتبر سنة 2024 محورية نظرا للاستحقاق الرئاسي، ولأنها تفصل بين استكمال برامج الولاية الرئاسية الأولى وبداية برنامج الولاية الثانية لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، كما أوضح أنه بهذا المشروع تم اختتام مرحلة تميّزت بتحديات ميزانياتية كبيرة. مشيرا إلى معالجة آثار جائحة كورونا وتجسيد التزامات مهمة في إطار البرنامج الاستدراكي لرئيس الجمهورية.
وتطرّق فايد إلى تحسين القدرة الشرائية للمواطنين، من خلال جملة من الإجراءات، منها الإعفاء من الضريبة على الدخل الإجمالي ومراجعة الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون ورفع النقطة الاستدلالية ورفع التجميد عن الترقيات في الوظيف العمومي وإرساء منحة البطالة ومراجعة معاشات المتقاعدين، بالموازاة مع رفع التجميد عن مشاريع الاستثمارات المجمدة منذ 2014 وتعبئة الموارد المالية اللازمة لإنشاء عشر ولايات جديدة في الجنوب، وكذا إنشاء أكثر من 374593 منصب عمل في الوظيف العمومي في الفترة 2020-2024.
وشدد الوزير على مواصلة إنجاز المشاريع الكبرى المدرجة في مدوّنة الاستثمارات العمومية، مشيرا إلى حجم الجهود المبذولة، من خلال تطور نفقات الميزانية من 7820 مليار دج في 2020 إلى 15275 مليار دج في 2024، وهو ما سمح، حسبه، بتهيئة الظروف لتحقيق نسبة نمو بـ 4.4 بالمائة (حسب تقديرات الإغلاق لسنة 2024).
وأشار الوزير أيضا إلى إعداد مشروع قانون المالية 2025 في ظل ارتفاع مستوى التضخم في معظم اقتصادات العالم واستمرار التوترات الجيوسياسية والسياسات النقدية التقييدية، وتشديد الشروط المالية وضعف التبادلات التجارية والاستثمارات والكوارث المناخية، وعلى الرغم من ذلك ـ يضيف ـ "يواصل الاقتصاد الجزائري تأكيد قدرته على الصمود"، من خلال تحسّن مؤشرات الاقتصاد الكلي التي تشير إلى استمرار النمو المدعوم، لاسيما، من خلال النشاط المسجل خارج قطاع المحروقات والفائض في ميزان المدفوعات، بالإضافة إلى التراكم في احتياطيات النقد الأجنبي.
وقال المسؤول الأول على قطاع المالية، إنّ السلطات العمومية تواصل، للحفاظ على هذه الديناميكية، متابعة التدابير المتخذة خلال الخمس سنوات الأخيرة، والتي تهدف إلى تعبئة موارد إضافية مخصصة لدعم وتفعيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد وتنويع الاقتصاد، من خلال دعم الاستثمار وترقية مختلف المبادرات وبعث المشاريع المهيكلة الكبرى ومعالجة مشكل الشح المائي بتعزيز ضمان التزويد بالمياه الصالحة للشرب.
قطاعات "الشأن العام" تتلقى انتقادات لاذعة
ولم تشفع الأرقام والمؤشرات المقدّمة لوزير المالية ولا لزملائه في الحكومة لتجنّب انتقادات نواب الغرفة السفلى للبرلمان، على الرغم من بعض الإيجابيات المسجلة في مجال الحفاظ على الطابع الاجتماعي للبلاد وحماية القدرة الشرائية للمواطنين وعدم التفات السلطة التنفيذية هذه المرة إلى جيوب المواطن بفرض ضرائب جديدة، حيث قال النائب عن حركة البناء الوطني بقدور بن عطية بلقاسم إنه كان ينتظر تخفيضات الجبائية تصب في إطار تحسين القدرة الشرائية للمواطن.
وسار النائب عن جبهة التحرير الوطني، زكريا بدورن، في نفس الاتجاه، فبينما لاحظ أنّ "قانون المالية تضمّن دعم الفئات الهشة وحماية القدرات الشرائية للمواطن"، استدرك "نطالب رغم هذا بإرادة لإصلاح جبائي لدعم إيرادات الدولة وتغطية العجز"، لافتا النظر إلى ملف السيارات مطالبا بإعادة النظر في شرط عدم التنازل أو بيع السيارات المستوردة من قبل الخواص لمدة ثلاث سنوات، "إذ أنّ السيارات المستوردة من قبل الوكلاء ـ كما علّل ـ لا تتضمن هذا الشرط"، فيما واصل النائب الحر بوطالب الحاج بن عيسى في نفس المجال، مقترحا على وزارة الصناعة استغلال مصنع لعلامة ألمانية بحكم أنه جاهز للتخفيف من وطأة الطلب على السيارات على مستوى السوق الوطنية.
ضرورة ضبط ملف الدعم الاجتماعي بسرعة
وعاد النائب عن حركة مجتمع السلم، بن علي الطاهر، ليثير مجددا ملف الدعم والتحويلات الاجتماعية، وقال إنّ دعم المواد الاستهلاكية بطريقة مباشرة مطية لتعريضها للتبذير والتهريب والسرقة، مستدلا بأنها تقدّر وفقا لبعض الخبراء بـ 4 مليار دولار، داعيا في هذا السياق إلى تحديد الدعم وتخصيصه. وأضاف "تخصيصه لمستحقيه لا يعني التخلي عن الطابع الاجتماعي للبلاد"، وبالتالي العمل على تجنب هزات اجتماعية في حالة تراجع مداخيل البلاد وانخفاض أسعار المحروقات، إذ أنّ ذلك ـ كما قال ـ يفرض على السلطات تقليص حجم الدعم.
وتستمر مناقشة مشروع قانون المالية بين الحكومة ونواب المجلس الشعبي الوطني على مدار ثلاثة أيام، في انتظار التصويت عليه المقررة في جلسة 13 من شهر نوفمبر الجاري.
..وزارات الاقتصاد تحت طائل المساءلة
ونالت وزارات الاقتصاد والمكلفة بتسيير معيشة وشؤون حياة المواطن، على رأسها الصناعة والصناعة الصيدلانية والتجارة، نصيبها من غضب النواب، وفي مقدمتهم نائب رئيس المجلس الشعبي الوطني بربارة الحاج الشيخ الذي استهدف الوزيرين عون وزيتوني بوابل من العتاب.
وقال النائب عن جبهة المستقبل مخاطبا وزير التجارة الطيب زيتوني "من منطلق حبي لبلدي وشعبي، الجميع يعلم أن الوظيفة الأساسية لوزارة التجارة هي ضبط السوق عن طريق الموازنة بين العرض والطلب.. هل فعلا نجحت في هذا الامتحان وهو الضبط؟ وهل تحكمت في السوق أم أصبح دور وزارتك تسيير الندرة بعد وقوعها؟؟ وتابع في نفس الاتجاه: "هل أصبحت الوزارة متقمصة لدور رجل المطافئ بعد وقوع الكوارث؟ وبلغة اللوم انتقد النائب "إصدار قرارات إدارية منافية لأسس الاقتصاد الذي يبقى بحاجة إلى "حلول اقتصادية لمشاكله وليس آراء سياسية".
وعاد بربارة إلى مشاكل الندرة التي مست الكثير من المجالات، محملا الوزارة مسؤولية ما حدث، فإذا كان رئيس الجمهورية يقول النائب "واضحا بخصوص عدم منع استيراد حاجيات المواطن الأساسية، فأين الخلل؟ وتابع: "الإرادة السياسية والإمكانيات متاحة، ماذا حصل ليشعر المواطن بالندرة؟؟؟، متسائلا في نفس السياق: "أين مساهمة وزارة التجارة في القضاء على السوق السوداء؟؟
وفي الشأن ذاته، أدرج قضية الجاكس في مداخلته التي تضمنت الكثير من التساؤلات عن دورها في القيام بما أسست من أجله وهو "لضبط الواردات موجّها سؤاله إلى زيتوني: "هل فعلا ضبطت الواردات أم اعتمدت الغموض والضبابية في منح التراخيص؟".
كما هاجم بربارة وزير الصناعة علي عون الذي لم يتمكن حسبه "من القضاء على أي مشكل في قطاعه منذ عامين كاملين على توليه هذا القطاع!!".
وبنبرة حادة انتقد أيضا "الخلل في تسيير ملف السيارات وما لحق بالمواطن من متاعب في الحصول على السيارات التي يدفع مقابلها مبالغ مالية لينتظر سنة كاملة ولا يستلمها".
واستثنى نائب الرئيس بعض القطاعات التي لامست الأهداف المسطرة لها بدرجات متفاوتة، أقل ما يقال عنها مقبولة، منها قطاعات الطاقة والتعليم العالي والعدالة والمالية والخارجية والسكن".