كيف سيتعامل العائد إلى البيت الأبيض مع أزمة الشرق الأوسط ؟

38serv

+ -

لم تنتظر حركة حماس كثيرا من الوقت بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية وفوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، لتعلن عن موقف لا يعبر عن الارتياح من الوافد العائد إلى البيت الأبيض، والذي سبق وأن اتخذ أحد أكثر القرارات خطورة في ولايته السابقة، وهو قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في سياق تأكيد واعتراف من قبله بأن القدس عاصمة للكيان الصهيوني.

وعلى الرغم من أن حماس اعتبرت أن الموقف من الإدارة الأمريكية الجديدة يعتمد على مواقفها وسلوكها العملي تجاه شعبنا الفلسطيني وحقوقه المشروعة، إلا أنها اعتمدت على عامل ثابت في مواقف جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، "التي كانت لها مواقف سلبية من القضية الفلسطينية، وكانت دائما الداعم الأكبر للاحتلال الصهيوني، حيث سلكت الإدارة الأمريكية السابقة مساراً منحازاً للاحتلال والعدوان، عبر منح مجرمي الحرب الصهاينة غطاء سياسيا وعسكريا، للمضي في أبشع حروب الإبادة التي عرفها التاريخ الحديث، ما ثبّت دورها كشريك كامل في قتل عشرات الآلاف من أبناء شعبنا من أطفال ونساء وشيوخ".

في مقابل هذا الموقف، يبرز موقف رئيس حكومة الكيان نتنياهو، والذي نشر على موقع "إكس" تهنئة إلى ترامب، وصف فيها فوز ترامب بالعودة التاريخية، "عودتك التاريخية إلى البيت الأبيض تمنح الولايات المتحدة بداية جديدة وتجدد الالتزام بالتحالف العظيم بين إسرائيل والولايات المتحدة"، بما يعكس وجود شعور لدى نتنياهو بأن فوز ترامب من شأنه أن يعزز خياراته الدامية وينهي ما كانت تعتبره إدارة الكيان الصهيوني بحالة التردد لدى إدارة بايدن.

تبرز هذه المواقف المعبر عنها من قبل طرفي المواجهة في غزة، بالإضافة إلى طبيعة المواقف المعروفة لترامب من القضية الفلسطينية والقدس والمستوطنات والتطبيع ومجمل تصوراته للمنطقة العربية وعلاقاتها بالكيان الصهيوني وغيرها، تعقيدات الموقف بعد إعادة انتخاب ترامب، وتبرز كثيرا من المخاوف بالنسبة للفلسطينيين ومحور المقاومة، من أن يدفع ترامب بالكيان إلى مزيد من الاندفاع في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، ويوفر غطاء ماديا وسياسيا لحكومة نتنياهو للاستمرار في هذه الحرب العدوانية التي توسعت إلى لبنان واليمن وإيران، إضافة إلى خياراته الحادة مع إيران، إذ كانت عهدته السابقة قد شهدت إعلان واشنطن الخروج من الاتفاق النووي بين الغرب وإيران.

لكن وعلى الرغم من ذلك، من المبكر الحكم على سياسات ترامب تجاه المنطقة، وأن هناك تقديرات تعتبر أن ترامب وعلى الرغم من وضوح موقفه الداعم للكيان الصهيوني، فإنه قد يعمد إلى سياسات ويتخذ خطوات غير متوقعة، خاصة وأنه رجل صفقات واقتصاد يميل أكثر إلى حالات الاستقرار من حالات المواجهة والتوترات، ما يعني أنه سيسعى إلى وقف الحرب القائمة في غزة ولبنان، وعقد صفقة وقف لإطلاق النار على غرار الحرب في أوكرانيا، غير أن حسمه في كل الأحوال لن يكون في صالح القضية الفلسطينية والحقوق العربية.

على الصعيد السياسي، عرفت عهدة ترامب السابقة بتوقيع اتفاقات ابراهام والتي لم توسع دائرة التطبيع إلى دول أخرى كالمغرب والبحرين والإمارات فحسب، ولكنها خلقت نموذجا جديدا من التطبيع الكامل الذي يمتد إلى كامل النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأكاديمي في دول التطبيع، أفقيا وعموديا، حيث يتوقع أن يعيد ترامب الدفع باتجاه تفعيل اتفاقات ابراهام وتوسيع مجالها إلى دول وازنة على غرار السعودية التي لا يعرف ما إذا كانت تملك القدرة على الصمود في وجه ضغوط ترامب في المرحلة المقبلة.

بيد أن كل هذه التقديرات السياسية لا تغفل مسألة أساسية، وهي أن المتغيرات التي حدثت في واقع المنطقة بعد طوفان الأقصى، حيث لم يعد الداخل الأمريكي أكثر تحمسا لخيارات المواجهة وهناك استياء لافت ضد الجرائم الصهيونية بحق الفلسطينيين، إضافة إلى الانقسام الحاد في الداخل الأمريكي والذي لم يسمح لترامب بالذهاب بعيدا في سياسات دعم نتنياهو بشأن تدمير مقومات الحياة لدى الفلسطينيين، إضافة إلى أن المواجهة الاقتصادية المتوقعة مع الصين وحالة الاستقطاب القائمة، قد تدفع إلى مزيد من التكتلات الإقليمية والتحالفات الجديدة بسبب التصدع الذي حدث في النظام الدولي، ووجود مخاطر كبيرة تفرض على إدارة ترامب السعي لتعزيز التفاهمات مع دول المنطقة العربية، لكسبها إلى صفه، وهي تفاهمات لا يمكن أن تتم في ظل استمرار العدوان الصهيوني وسياساته المتعجرفة، ‏كونها قد تفقد الأنظمة العربية العمق الإستراتيجي ويفاقم هشاشة شرعيتها الشعبية، ما سيفرض على ترامب البحث عن تسوية ما لأزمات المنطقة على أي نحو كان.