38serv

+ -

نحن الصحراويون لسنا مثل أي أحد في هذا الكون. أجزم على قولي هذا وأعني، بالتأكيد، ما أقول.

لأننا لم نكن مثل الكثيرين في هذا العالم الذين كان لهم تفضيل مرشح على آخر وكانوا نتيجة لميولاتهم واختياراتهم ينتظرون نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومن سيفوز فيها. هل ترامب أم هاريس؟

نحن تابعناها، بالرغم من تغريدة ترامب التي أساءت إلى قضيتنا إعلاميا والتي كانت، على كل حال، فاقدة للأسس القانونية والأخلاقية وتمت، في نفس الوقت، معارضتها بقوة في الولايات المتحدة حتى من داخل الحزب الجمهوري أساسا، تابعناها من زاوية أن الولايات المتحدة الأمريكية تشكل المركز الأقوى الذي يمتلك القدرة على توجيه السياسة الدولية وموقفها يؤثر بدون شك في الأحداث ومجرياتها في العالم.

ولكن ونتيجة لتجربة ثورتنا ومرور قضيتنا بمراحل زمنية شهدت تحولات عالمية كبيرة فإننا تعلمنا وأدركنا أن ننتظر دائما من الفائز، في مثل هذه الحالة، أن ينحاز إلى الحق لأننا أصحابه. وإذا لم يفعل فذلك لن يغير من مسيرتنا التي لن تتوقف قبل استكمال السيادة.

أقول هذا لأن سر تميزنا هو أن قضيتنا العادلة والنبيلة التي نؤمن بها إيمانا مطلقا لا يتزعزع، ليست موجهة ضد أحد، ولهذا فنحن ننتظر الخير دائما من الآخرين.

لقد قام كفاحنا التحريري، تحت قيادة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، منذ 1973 ودام واستمر من أجل التمتع بحقوقنا الوطنية في حدود بلدنا المعترف بها دوليا دون أن يدفعنا ذلك إلى دخول الأحلاف أو الاصطفاف الإيديولوجي على مستوى الصراع العالمي وذلك بالرغم من الإكراهات الكبيرة والصعوبات العظيمة التي واجهناها وسياسات الاستقطاب متعددة الأوجه التي تفاديناها.

وبالفعل، فلقد تمسكت الجبهة الشعبية والحكومة الصحراوية منذ البداية بخط وطني مستقل وبمبادئ القانون الدولي التي بنيت عليها العلاقات الدولية المعاصرة ومنها خاصة مساواة حقوق الشعوب وحقها في تقرير المصير والاستقلال والامتناع عن التهديد بالقوة أو باستعمالها إلا في حالات حروب التحرير ضد الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي للدفاع عن النفس ودافعنا وما زلنا عن قدسية احترام الحدود الدولية المعترف بها ومنع حيازة الأراضي بالقوة وتمسكنا بكل قوة بخيار حل الخلافات بالطرق السلمية.

لم نشتر أبدا العداوة من أحد. ولم نرد أبدا إلا إذا تم الاعتداء على أرضنا أو حقوقنا. والتزمنا دائما بالرد الذي لا يتجاوز الحد الضروري لوضع الأمور في نصابها.

تموقعت الجبهة الشعبية والحكومة الصحراوية دائما إلى جانب القرارات والأحكام الشرعية الدولية واحتكمتا إلى القانون والعدالة.

فبالرغم من التآمر على حقوق الشعب الصحراوي من طرف قوى دولية كبرى وأخرى إقليمية بقدراتها العسكرية وبإمكانياتها المالية الهائلة، وما زالت تفعل، فإن ذلك لم يغير أبدا من سلوكنا الرزين المتطابق مع الأسس التي تحكم العلاقات الدولية.

جربت ضد الشعب الصحراوي، طيلة الخمسين سنة الماضية، كل أنواع الأسلحة الفتاكة، ما عدا النووية منها لحد الساعة، وتمت محاولة إبادتنا وارتكبت ضدنا جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية ولم ينل ذلك قيد أنملة من عزيمة شعبنا، المتمسك بوحدته الوطنية وبحقوقه المشروعة التي تجمع عليها المنظمات والمحاكم الدولية والإقليمية.

لم ولن يفلح العدو وحلفاؤه في سعيهم للنيل من عدالة القضية الصحراوية النبيلة ولن ينجحوا في خططهم لشيطنة الجبهة الشعبية، رائدة كفاحنا الوطني وإلصاق التهم الملفقة بها، كما أنهم لن يتمكنوا أبدا من القضاء على الإرادة الصلبة لدى شعبنا في مواصلة حربه التحريرية حتى تحقيق النصر.

لقد تمت محاولة نكران وجودنا من خلال تقسيم شعبنا وامتلاك أرضه وحطمنا إستراتيجية الملف المطوي وفرضنا بالدم التسليم بضرورة ممارسة شعبنا لحقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير ومع ذلك كنا دائما نمد أيدينا للسلام العادل والدائم بكل مسؤولية وصبر بالرغم من نقض عدونا للعهود والالتزامات وتساهل الضامنين للاتفاقيات الموقعة وحتى تآمر بعضهم مع المعتدي بهدف تغيير الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية المصنفة من قبل الأمم المتحدة كقضية تصفية استعمار.

وعودة إلى نبإ فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية فإن الجمهورية الصحراوية التي ليست عدوة للولايات المتحدة، ولا لغيرها مهما كان من الدول والأمم والشعوب، تمد يدها لطلب مؤازرتها من لدن الولايات المتحدة للتمتع بالسلام في حدودها الدولية المعترف بها وذلك يتطلب أن تعمل واشنطن بالنظر إلى وزنها عالميا ومسؤولياتها على مستوى مجلس الأمن الدولي على إنهاء الاحتلال الاستيطاني المغربي اللاشرعي لأجزاء هامة من أراضي الدولة الصحراوية.

لا شك بأن إدارة ترامب ستنتبه إلى أن المجتمع الدولي لن يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية وأن كل المحاولات الرامية إلى مصادرة حقوق الشعب الصحراوي باءت وستبوء بالفشل وأن الجمهورية الصحراوية والمملكة المغربية بلدان منفصلان ومتمايزان وينتميان إلى الاتحاد الإفريقي ويشاركان في كل المؤتمرات جنبا إلى جنب.

لا يمكن لأحد اليوم أن يشكك في مساهمة الجمهورية الصحراوية في مجهودات المجتمع الدولي الرامية إلى إحلال السلام بيننا والمغرب من خلال قبول الجبهة الشعبية لمخطط السلام الأممي- الإفريقي، القاضي بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، بالرغم من كون المغرب ليس سوى دولة احتلال.

التعاطي الإيجابي والتعامل الفعال مع الأمم المتحدة لتجاوز العقبات التي يصنعها المحتل المغربي باستمرار ويضعها أمام بعثة المينورسو لمنعها من القيام بالمهمة التي أنشئت من أجلها وإطلاق الجبهة لآلاف أسرى الحرب من جنود وضباط مغاربة، أدلة من بين أخرى كثيرة، تشهد على مسؤولية الدولة الصحراوية وقدرتها على لعب دورها كاملا في إطار التعاون للحفاظ على السلم والأمن الدوليين باعتبارها حقيقة وطنية، جهوية ودولية.

ليست للجمهورية الصحراوية، إذن، أحكام مسبقة على عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض ولا على سياسته المستقبلية فيما يتعلق بالصحراء الغربية وسنتعامل معها كغيرها من الأحداث والمستجدات، من زاوية احترامها لحقوق شعبنا في الحرية والسيادة.