38serv
أكد، أول أمس، المتدخلون في ندوة "فلسطين: كتابات من السجن" المنظمة في إطار صالون الجزائر الدولي للكتاب، أن النص الروائي الفلسطيني رد على السردية الإسرائيلية وأنه نص مقاوم حوّل السجن إلى فضاء للإبداع، حيث تحدث الكاتب طارق بوحالة عن النصوص السردية النسوية في السجن، وحذر الناقد والدكتور لونيس بن علي من رواية "قناع بلون السماء" للكاتب باسم خندقجي، وقال "تبقى تجربة مثيرة وقراءتها لا بد أن تكون بحذر". بينما أكد الدكتور لمين بن تومي أن رواية يحيى السنوار "الشوك والقرنفل" قد أعادت داخل السجن إنتاج قيم المقاومة والإنسانية والوطن.
تحدث الكاتب طارق بوحالة عن كيفية إعادة مناضلات فلسطينيات كتابة تجربة السجن في خطاب جمالي يقترب من الخطاب الأدبي، مؤكدا أن النسوية في فلسطين ترتبط بالنضال مباشرة، فليس هناك نضال ضد الذكورة ولكن هو نضال ضد هذا الآخر المحتل الإسرائيلي الصهيوني الذي يمارس كل أنواع القهر والاستبداد، ولهذا - يقول - فإن التجربة النسوية في فلسطين تجربة فريدة من نوعها، لأن معظم اللائي كتبن في هذا الموضوع داخل السجن أو حتى بعد خروجهن منه، كلهن كتبن في قلب المقاومة الثقافية، وفي قلب النضال الثقافي.
ويؤكد المتدخل أن الشهادات التي كتبت أو السرديات النسوية هي شهادات حية توثق لمعاناة المرأة الفلسطينية في سجون الاحتلال، وجاءت صادقة وصريحة ولم تخف الألم والمعاناة، بل إنها نقلته إلينا بأسلوب أدبي يلامس القلوب، مثل رواية عائشة عودة "أحلام بالحرية". كما تتميز النصوص بلغة أدبية راقية وخاصة، وتكمن أهمية السردية النسوية الفلسطينية - يقول بوحالة - في كونها صوت المقاومة وتساهم في إبراز قوة المرأة الفلسطينية وقدرتها على المقاومة والإبداع حتى في أصعب الظروف، حيث يتحول السجن إلى فضاء للإبداع والتعبير عن الذات، يعني نصوص مقاومة في قلب الرد بالكتابة، وتكشف هذه الروايات الانتهاكات التي تتعرض لها المرأة الفلسطينية في السجون وتساهم في لفت الانتباه لهذه القضية.
كما تساهم هذه الرواية الفلسطينية في بناء الوعي لدى الأجيال وتعرفنا بدور المرأة الفلسطينية في النضال والمقاومة، ونكتشف أن المرأة هي أبرز مقاوم في القضية الفلسطينية.
قدم الأستاذ والدكتور لونيس بن علي من جانبه، قراءة في رواية "قناع بلون السماء" للكاتب والأسير الفلسطيني باسم خندقجي، التي خرجت من السجن وحازت على جائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، وقال إنه نص ملتبس إلى أبعد الحدود؛ لأن الرواية الفلسطينية ليست فقط رواية مقاومة تجيش العواطف، فثمة سردية فلسطينية حتى لو أنها خرجت من السجن، لكنها "تطرح مقاربات قد تحرج وعينا الكسول وتدفعنا إلى مناطق غير مرغوب التفكير فيها"، مستطردا ولعل رواية "قناع بلون السماء" تندرج ضمن هذه السرديات التي تحدث نوعا من الصدمة في وعي القارئ.
ويرى بن علي أن رواية باسم خندقجي رواية خرجت من السجن، لكنها لم تتحدث عن السجن كفضاء مكاني للحجز، فداخل الرواية البطل يميز بين نوعين من السجن، السجن الأصغر وهو السجن، والسجن الأكبر وهو فلسطين، فغزة هي أكبر سجن مفتوح على السماء، لكنه يشير إلى أنه حين قرأ الرواية أضاف إلى السجنين سجنا ثالثا وهو سجن الهوية.
يؤكد بن علي أن نص "قناع بلون السماء" يسير على تماس القضية كما لو أنه كان خائفا أن يحدد موقفا معينا، حيث قدمت الرواية لنا رؤية ملتبسة جدا لمفهوم الهوية كفضاء ثالث للسجن، وينتهي القارئ في الأخير بأسئلة دون أن يعثر على إجابات، وتبقى التجربة، يقول بن علي: "تحتاج إلى جزء ثانٍ لتوضح الكثير من المناطق المظلمة في هذه الرواية، التي تبقى تجربة مثيرة وقراءتها لا بد أن تكون بحذر".
تناول الناقد الدكتور لمين بن تومي في مداخلته موضوع "السجن المفتوح والشخصيات المغلقة..."، في رواية الكاتب المقاوم يحيى السنوار "الشوك والقرنفل"، متسائلا: هل يمكن أن نتحدث بلغة أكاديمية صرفة عن نص مقاوم أو نصوص المقاومة، معترفا أن نصوص المقاومة هي نصوص عاصفة كتبت باعتبارها وثيقة وشهادة تاريخية عن مرحلة زمنية معينة، معنى ذلك يجب أن نجد لغة مقاومة لنكتب عن نص مقاوم.
يقول بن تومي إن رواية "الشوك والقرنفل" ليست رواية بسيطة؛ وإنما رواية كتبت من الأرض وهي كتابة أرضية للنص وليست كتابة رواية متعالية، كتابة المقاومة كتابة أرضية للتاريخ ولليومي وللمقاومة، مؤكدا أن أبي يحيى السنوار أصبح أشهر إنسان في تاريخنا العربي من جهة نضاله وجهاده، وينطلق المتدخل من عبارة "كلما اتسع السجن، ضاقت العبارة"، السجن يقصد به المخيم والوطن الكبير المغلق من كل الجهات، والمتخندقين داخل المقاومة ويقصد به السجن، وهو المكان الضيق الذي تقيد فيه حرية الإنسان، ويقول إن المتحدث داخل الرواية طفل ويتحدث عن مسألة التهجير والأسر والاعتقال والعقاب والمراقبة، أي سيعيد السجن إنتاج مفهوم المقاومة وسينتج لنا نصية منفتحة على قيم الإنسانية وتؤنب الضمير الدولي وتضعه أمام مأزقه الأنواري القديم الذي كان ينادي بالحرية والعدالة والأنوار، مضيفا أنه داخل السجن يعيد يحيى السنوار إنتاج قيم الإنسانية والوطن، لتصبح مسألة الوطن عقيدة ترتبط بخزينا يماني وروحاني قوي.
ويشير بن تومي إلى أن الرواية لا تعيد تأثيث ووضع الاستعمار أمام إحراجاته وهشاشته التاريخية؛ بل ستعيد علينا سؤالا مهما وهو: كيف سنتخلص كعرب من الوضعية التاريخية التي وضعتنا فيها المنظومة الصهيونية الاستعمارية وستراجع كل المواثيق، مؤكدا أن هذه الرواية تحاول أن تشكل وضع الوطن داخل التاريخ، معنى أن يحاول الفلسطيني أن ينجز وعدا لوطن وأن يحصل على وطن داخل النص.