38serv
قدمت الممثلة الفرانكو جزائرية، رشيدة براكني، بجناح المعهد الفرنسي بصالون الجزائر الدولي للكتاب، مؤلفها المعنون بـ "قدور"، الصادر في الجزائر عن دار "داليمان"، وهو كتاب تكريمي لوالدها الراحل. ومن خلال تقديم الكتاب، ناقشت الممثلة والمؤلفة براكني عدة قضايا، منها العنصرية في فرنسا والاختلاف بين أجيال المهاجرين، وقالت إنه على النخبة المهاجرة حاليا أن ترتفع صوتها وتؤكد وجودها وتستغل مكانتها من أجل إيصال هذا الصوت، كما تحدثت عن موقفها من تهمة "معاداة السامية" وعلاقتها بالقضية الفلسطينية.
يروي كتاب رشيدة براكني "قدور"، قصة مؤثرة ورائعة ترويها ابنة أب جزائري أمي، سائق شاحنة، ثم سائق توصيل. مهاجر غادر الجزائر وعمره 18 سنة ليكدح طوال حياته في فرنسا وتوفي بمرض كوفيد سنة 2020.. أمنيته: أن يدفن في بلاده، وقالت "في وقت وفاة والدي، عاد إليّ النص "المكان" لآني إرنو مثل الصدى. هذا الكتاب الذي اكتشفته عندما كنت في الخامسة والعشرين من عمري، صدمني ووجد صدى قويًا بداخلي. لم تكن قصصنا، وماضينا، ومساراتنا هي نفسها، ومع ذلك فقد شكلتنا قاعدة مشتركة"، تقول براكني.
تقول براكني عن والدها: كان رجلا متحضرا وهي تحترمه كثيرا "تحدثت عن أبي، لأنه رحل عنا، والأمر ليس مؤلما لأنني أؤمن بالانتقال وأعتقد أنه من المهم أن نعرف من أين أتينا حتى نستطيع الذهاب إلى مكان ما، الأمر ليس مؤلما أن أحكي عن أبي وهو يتعلق بشأن شخصي، وهو إيصال هذا الإرث للأبناء حتى يعرفوا من أين جاؤوا... وحان وقت لأبناء المهاجرين أن يستثمروا في الجانب الأدبي".
تحدثت الكاتبة عن أحداث مجزرة 17 أكتوبر وكيف أضافتها في آخر لحظة إلى كتابها بعد أن رأت حلما عن والدها: "عندما انتهيت من تأليف الكتاب بعد أيام، حلمت بأبي وتذكرت أن أبي دائما كان يحكي لي عن 17 أكتوبر وأنا لم أكن أعرف هذا التاريخ، قلت له أبي: ألا تعرف أن 200 جزائري انتهى بهم الأمر في نهر السين، ونظر إلي وقال لي نعم أعرف وأنه كان هناك، حاولت أن أعرف أكثر، لكنه لم يرغب في الحديث أكثر.. صعب أن أنتزع منه معلومات، لكنني نجحت بفضل الكتابة".
تهتم براكني أكثر "بالصمت وبالأشياء التي لم تقل"، وتولي "أهمية للبياض الذي بين كلمتين، ذلك البياض يروي أشياء كثيرة أكثر مما ترويه الكلمات". لكن هذا الصمت الذي فرض على الآباء والأهل بصفة عامة في المهجر، لم يعد مجديا الآن مع الأجيال الجديدة، فتقول عن العنصرية في فرنسا "إن الصمت المفروض على آبائنا لم يعد يجدي، الأمور تغيرت والأمل الموجود.. عندما جاء آباؤنا إلى فرنسا كانوا يقولون لنا لسنا في بلدنا، لا يجب أن يلاحظنا أحد ويجب أن نسير دون إحداث ضجيج، نحن وجيلنا كبرنا بين هذا الزجر من أهلنا، وفي الوقت نفسه نشأنا ضد هذا، لأننا لا نحتمل أن يتم التعامل مع أهلنا بهذه الطريقة".
ترى براكني أنه على النخبة المهاجرة حاليا أن ترفع صوتها وتؤكد وجودها وتستغل مكانتها من أجل إيصال هذا الصوت "هناك جيل مثل جيلي وأقل مني درسوا واستطاعوا تقلد مناصب مسؤولية ولديهم صوت وحان الوقت لاستخدام هذا الصوت حتى لا نكون لقمة صائغة في فم غيرنا".
وحول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني تؤكد براكني بأنها لم تنتظر 7 أكتوبر لتكون إلى جانب القضية: "فأنا منذ مدة طويلة منغمسة للغاية وداعمة لهذه القضية، لأنها من جهة قضية عادلة، وهي أيضا صدى لتاريخ الجزائر وليس الأمر صدفة أن الجزائريين أيضا ينحازون إلى جانب في القضية".
وتوضح براكني بأن تهمة "معاداة السامية" لم تعد تنطلي على أحد "أعرف من أكون وأعرف قيمي وأعرف أنه لا يمكن إسكاتنا، وككثيرين لن يستطيعوا أبدا إسكاتهم، وليس لهم خيار في ذلك.. عليهم أن يتعاملوا معنا كما نكون.. أحبوا أم كرهوا نحن هنا"، وتعتقد أن هذا هو الفرق مع الأهل الذين كانوا يخافون ويعيشون في هذا الجو من الرعب والصمت، لكن "نحن الأبناء والأحفاد نرفض ذلك، وهناك الجيل الجديد وهو جيل مخيف".