38serv
في عام 2024، استمرت حالات الطلاق في الجزائر في الارتفاع، حيث تم تسجيل حوالي 240 حالة طلاق يوميا، ما يعادل أكثر من 87.600 حالة طلاق سنويا، بنسبة 33 بالمائة من حالات الزواج، هذا الارتفاع يعكس زيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة.
على ضوء هذا الارتفاع، دقّ محامون وعلماء النفس والاجتماع ناقوس الخطر، محذّرين من التنامي المقلق لهذه الظاهرة التي تهدّد نسيج المجتمع وبيوت الجزائريين لأسباب كثيرة. وأعطى المختصون أسبابا مختلفة للظاهرة؛ ولعلّ من بين أهم العوامل التي قد تكون ساهمت في هذا الارتفاع تأثير المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي (الفايسبوك، تيك توك وإنستغرام)، والضغوط والأعباء الاقتصادية، وعدم مقدرة الزوج على تأمين مستلزمات الأسرة، وعدم الاحترام المتبادل، وعدم التفاهم، والتشبث بالرأي والعناد، ما يؤدي أحيانا إلى العنف الأسري، وعدم تفهم كل من الشريكين شخصية الآخر، وعدم التوافق الجنسي، ما يعني عدم الإشباع وفتور العلاقات الجنسية، وعدم التكافؤ التعليمي والثقافي، الغياب المتكرر عن المنزل، الأفكار النسوية ورغبة المرأة في الحرية والاستقلالية، العصبية والغضب السريع والمشاحنات وضعف لغة الحوار، والخيانة، وتراجع المقدرة على تحمّل المسؤولية لدى الأجيال الحالية.
وأكدت عدّة دراسات أن للطلاق آثارا اجتماعية ونفسية خطيرة، ناجمة عن تفكك الأسر وانحلال العلاقات الاجتماعية وما يترتب على ذلك من تفشي مشاعر البغض بين الأفراد، والاضطرابات النفسية قد تصل في كثير من الأحيان إلى السلوك المنحرف للأفراد، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بشكل مباشر على المجتمع وترابطه ويهدّد الأمن والسلم المجتمعي.
ويتسبّب الطلاق في تزايد معدّلات الجرائم، وتزايد معدّلات التسرب من التعليم، إذ يؤدي قرار الطلاق في كثير من الأحيان إلى مشكلات اقتصادية ونفسية كبيرة، قد يترتب عنها تدني مستوى التحصيل الدراسي للأبناء، وفي كثير من الأحيان لجوئهم لترك التعليم إما بدافع مادي لعدم توافر نفقات التعليم أو بسبب غياب رقابة ومتابعة الوالدين للأبناء. كما يؤدى إلى شيوع مشاعر الاكتئاب والإحباط وتزايد الأعباء المالية على الزوجين المنفصلين، وبالتالي تؤثر هذه المشاعر على قدرتهم على العمل وزيادة الإنتاج.
لقد شرّع الإسلام الطلاق ليكون حلاّ نهائيا يلجأ إليه الزوج عندما تستحيل الحياة الزوجية بينه وبين زوجته، وعند استنفاد السبل والوسائل كافة التي شرّعها الله تعالى، يقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان}، فلا يعقل في شرع الله تعالى الذي جاء لمصلحة العباد وإيجاد العدل ورفع الظلم، أن يبقى الإنسان في ربقة عقد زواج تبيّن له استحالة الاستمرار فيه، فالإسلام دين رحمة، قال الله تعالى: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}. لذلك، فالحكمة من تشريع الطلاق بيّنة واضحة، وهي الحفاظ على حياة وكرامة كل من الزوجين، بدل أن يعيشا في كنف حياة بغيضة فيها الشيء الكثير من المشاكل المستعصية على الحل.
هذا وإن حلّ المشاكل الزوجية له سبل ينبغي على الزوج أن يتدرج بها، ولا يكون الوصول إلى الطلاق إلا بعد استنفاد هذه السبل كافة، ومنه تحكيم أهل الخبرة وأهل الصلاح، لقوله تعالى: {وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدَا إصلاحا يوفق الله بينهما إن اللّه كان عليما خبيرا}. ثم إذا أراد الزوج أن لا يقع في الإثم عند طلاق زوجته، ويكون الطلاق وفق ما شرع الله تعالى، فلا يجوز له أن يقدم على طلاق زوجته وهي حائض أو نفساء أو في طهر جامعها فيه، وهو ما يسمى عند الفقهاء بالطلاق البدعي، ولا شك أن حكمة الشرع في ذلك واضحة بيّنة، ذلكم أن الزوج الذي يغضب من زوجته ويعزم على طلاقها وهو في قمة غضبه، ثم يجدها وقد حاضت أو نفست أو أصبحت حاملا أو في طهر جامعها فيه، ثم ينتظر زوال هذا الأمر، فلا شك أن ثورة غضبه سوف تزول، فتراه يعدل عن طلاقها، ولو اتبع الأزواج هذا الأمر، لرأينا أن نسبة الطلاق في مجتمعنا تنخفض بشكل كبير.
وإن من الاقتراحات التي يمكن إدراجها كعوامل ومؤثرات تعزّز الحياة الزوجية وتقلّل من نسب الطلاق، أهمها: التواصل الدائم والمصارحة في كل الأوقات، النقاش والحوار الهادئ لتقريب وجهات النظر، الإيمان بقدسية الزواج، الوعي بأن الزواج مسؤولية مشتركة بين الزوجين، التغاضي عن المشكلات التافهة، تبادل الآراء في جلسة عتاب رقيقة في حال وجود خلاف، وضع حدّ لتدخل الآخرين في حياة الزوجين الخاصة، عدم التسرع في اتخاذ القرارات، تفهم الأدوار الموكلة إلى كل طرف من طرفي العلاقة، التخطيط السابق للأمور ووضع خطط وأهداف المستقبل للأسرة، الخروج والسفر لكسر رتابة الحياة الزوجية وتجديد حيوية العلاقة، طلب النصح من ذوي الخبرة والمعرفة، المشاركة من وقت إلى آخر في دورات توعوية عن الزواج، اللجوء إلى متخصصين لحلّ المشكلات الطارئة، إن لم يكن بمقدور الزوجين حلها.