+ -

يبدو أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام المقبل، ستشهد تجسيداً لبعض السياسات والأفكار التي طُرحت خلال حملته الانتخابية، لكنها قد تعرف، على الأرجح، أيضاً، تبخراً للكثير من التخيّلات والتوقّعات المتداولة.

بداية، لابد من الإقرار أن أكبر عامل يتقوّى به "الرئيس العائد"، ويرتكز عليه، هو "التفويض التصويتي الواسع" الذي جاء مُعزّزاً باستعادة حزبه الجمهوري الغالبية في مجلس الشيوخ واحتفاظه بها في مجلس النواب، ما يعني أنه سيجد دعماً - وليس مقاومة - في الجسم التشريعي الهام في بلده.

على مستوى السياسات، سيجد ترامب نفسه مضطراً للعمل أكثر على الداخل، تماشياً مع رؤاه وتطلّعات من انتخبوه؛ سيركّز على الاقتصاد والتشدّد في موضوع الهجرة، وهذا سيحد كثيراً من التأثيرات المرتقبة في السياسات الخارجية.

ترامب يعود وسط مناخ عالمي، يشهد حرب إبادة يشنّها كيان الاحتلال في غزة ولبنان، وحرباً مشتعلة في أوروبا (أوكرانيا) وأخرى باردة بين بلاده والصين، وهي كلها جبهات ساخنة تبحث عن انفراجات أو نهايات. ترامب ينظر إلى هذا الوضع المضطرب برؤيتين: واحدة سلبية تدفعه إلى العودة إلى عقيدة "أميركا أولاً" التي انتهجها في ولايته الأولى، وأخرى تفاؤلية نوعاً ما تُشجعه على الاستثمار في "فراغ القيادات" على المسرح الدولي من أجل بناء "إرث سياسي"؛ الرجل تُراوده - على الأرجح - فكرة أنه سيكون الزعيم الذي جاء من أجل التغيير  الإيجابي وصنع "حلول" بعد "كوارث" أحدثها سلفه بايدن أو وقف أمامها عاجزاً مُتفرّجاً.

السياسات الخارجية لن تكون أولوية ولا مفاجئة على الأرجح، وملامحها العامة تبدو أيضاً واضحة: خريطة طريق لإنهاء حرب أوكرانيا تأخذ في الاعتبار كثيراً الواقع الميداني الذي فرضه بوتين، واصطفاف مع الاحتلال ضد المقاومة في غزة ولبنان، لكن وفق خطة واسعة (صفقة القرن في نسختها الثانية) تُنهي الحرب وتعمل على استئناف اتفاقات التطبيع، عودة لممارسة سياسة ”الضغط الأقصى“ مع إيران، وانسحاب من اتفاقات المناخ والالتزام عسكرياً مع الحلفاء الأوروبيين. الاهتمام الأكبر الذي سيُلازم ترامب طيلة رئاسته المقبلة هو نمو الاقتصاد الصيني ليُصبح الأول عالمياً مُتجاوزاً الاقتصاد الأميركي، في عام 2030 (حسبما تفيد الدراسات) أي بعد سنتين فقط من انتهاء ولايته.

لكن الرجل يُواجه نقاط ضعف كثيرة أمام تنزيله لهذه السياسات؛ فهو عائد في سن 78، أي بطاقة أدائية أقل من تلك التي بدت مع إطلالته الرئاسية الأولى عندما كان في سن السبعين. وهناك عامل "العهدة غير المتصلة"، أي أنه مضطر الآن لفترات ”تصحيح“ وتأقلم قبل الانخراط بقوة في التطبيق، وهذا لا يساعده كثيراً لأن الولاية قصيرة (4 سنوات) وغير قابلة للتجديد مرة ثالثة.

”العائق“ الأهم أمام ترامب، ربما، هو  الإطار الفكري السياسي والرؤية. الرجل دخل إلى هذا العالم الجديد من بوابات الأعمال والإعلام. بات ظاهرة في عالم السياسة، وكَبُر حتى على حزبه. تضخّم بالشهرة والسوابق، وليس برؤى سياسية واسعة تستلهم أو تنهل من سابقين. غالبية الدارسين والمعلقين يُجمعون على وضعه في خانات الشعبوية واليمين المتطرف والانعزالية وأحيانا المواجهة؛ وهذا يعني أن تأثيراته قد تكون صاخبة ومؤقتة لكنها لن أبداً تكون عميقة ولا امتدادية !