فضيحة "حوريات".. حقائق مثيرة حول قضية الروائي كمال داود

38serv

+ -

بتاريخ 18 نوفمبر الجاري، قبلت المحكمة الابتدائية لوهران إيداع ملف دعوى قضائية للسيدة سعادة عربان ضد الروائي كمال داود، التي تتهمه وزوجته بـ "انتهاك الحياة الشخصية وإفشاء السر الطبي"، من خلال روايته "حوريات"، التي نال من خلالها "غونكور"، أرقى جائزة أدبية فرنسية.

نشطت المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، صبيحة اليوم الخميس، بحضور موكلتها سعادة عربان، بأحد فنادق الجزائر العاصمة، ندوة صحفية، عادت فيها لتفاصيل قضية الروائي كمال داود والسيدة سعادة عربان، هذه الأخيرة التي أضحى اسمها اليوم منعرجا حاسما في حياة الكاتب الأدبية وحتى الشخصية، في وقت لم يخرج فيه بعد من نشوة ظفره بجائزة "غونكور" الأدبية الراقية بفرنسا. 

جنبا إلي جنب، تجلس كل من الشاكية، السيدة سعادة عربان، ومحاميتها، الأستاذة فاطمة الزهراء بن براهم، ومعهما كذلك، السيدة زهرة فاسي، رئيسة نقابة ضحايا الإرهاب، والسيدة صفية فحاصي، عن الجمعية الوطنية لأسر المفقودين خلال العشرية السوداء، لتنطلق الندوة الصحفية في تمام الساعة الحادية عشرة صباحا، لتقديم كل التوضيحات الخاصة بقضية الشاكية ضد الكاتب كمال داود.

قبل مباشرة طرح حيثيات القضية، أكدت المحامية بن براهم، أمام حضور غفير لممثلي وسائل الإعلام الوطنية والأجنبية، أن: "هذه القضية لا تمس سعادة لوحدها كسيدة انتهكت حرمة حياته الخاصة ونشرت قصتها بدون إذن من قبل روائي استغل علاقتها كمريضة بطبيبتها النفسانية التي اتضح أنها زوجته، وإنما تخص قضية مجتمع بأكمله، وكل أولئك الذين ذاقوا ويلات العشرية السوداء في الجزائر".

وإذ صدحت حنجرة بن براهم – كما هو الحال في مرافعة في صدر قاعة الجلسات – إن " كمال داود يريدنا أن ننسى حرب استعمارية شنيعة على بلادنا دامت 132 سنة، لكنه يريد في المقابل تسليط الضوء على العشرية السوداء وكل ما تحمله من آلام.. داود يقدمها لنا على أنها حرب أهلية رغم كونها ليست كذلك.. لقد كانت حربا ضد المؤسسة العسكرية وضد السلطة، استخدم فيها الشعب كرهينة" تقول محذرة داود "الإرهاب لم يولد عندنا ولكنه أراد أن يستقر في وطننا".

كما لم تتردّد المحامية الشهيرة في اتهام الروائي كمال داود، بحصوله على الجنسية الفرنسية بطريقة غير شرعية، معتبرة إياها "ثمن بيعه لوطنه الأم وخيانته له.. بل داود باع وطنه بـ 10 يورو من غونكور"، في إشارة إلى قيمة المنحة المالية الرمزية التي تمنحها لجنة "غونكور"، "داود باع حتى الفرنسيين ودار النشر التي عمل معها."

 

من هي سعادة عربان

 

لمعرفة من هي سعادة، توضح المحامية بن براهم، أن الأخيرة "من ضحايا الإرهاب، تعرّضت وهي طفلة صغيرة رفقة عائلتها لهجوم مسلح بإحدى قرى مدينة تيارت، كانت هي الناجية الوحيدة منه وبأعجوبة كبيرة، في حين تم ذبح كل أفراد عائلتها، واختطفت زوجة أخيها "التي كانت على قدر كبير من الجمال"، تقول مضيفة "موكلتي تعرضت للذبح هي كذلك فيما تفطن الطاقم الطبي لكونها لا تزال على قيد الحياة وهي داخل مصلحة حفظ الجثث".

قضية الطفلة سعادة صاحبة الخمس سنوات آنذاك، وصلت لمسامع وزيرة الصحة والشؤون الاجتماعية، زهية منتوري )  توفيت في 12 جويلية 2022 (، "الأخيرة التي قررت تبنّيها، ووفرت لها كل الظروف اللازمة للعيش الكريم وسط عائلة تحبّها وتدللها وهي من تكفلت بزواجها وهي اليوم سيدة متزوجة وأم لطفل"، تقول بن براهم، مشيرة إلى أن الطفلة سعادة بدأت بعد إتمام إجراءات التبني رحلة العلاج في الجزائر وبعدها في الخارج من أجل استرجاع قدرتها على النطق وهي التي تقطعت أحبالها الصوتية جرّاء الذبح، واستمرّ ذلك لسنوات طويلة قبل عودتها مجدّدا إلى أرض الوطن.

 

بداية "الخيانة"

 

حسب التوضيحات المقدمة من قبل المحامية فاطمة الزهراء بن براهم، فإن علاقة موكلتها بعائلة داود تعود لسنة 2015، ففي ذلك التاريخ قررت سعادة أن تستعين بأخصائي لمساعدتها على الخروج من أزمتها الناتجة عن التراجيديا التي عاشتها في طفولتها، "وبتوصية من إحدى السيدات، توجهت سعادة إلى طبيبة مختصة في الأمراض العقلية والنفسية باحدى المؤسسات الصحية بولاية وهران، التي اتضح فيما بعد أنها زوجة الروائي كمال داود"، تقول مشيرة هنا إلى أن موكلتها و"بطرق باب الطبيبة قدمت بين يديها ملفها الطبي، ووثائقها وكشفت لها عن جسدها وكل أسرارها ومواجعها ولم تكن تعلم حينئذ أن تلك هي "بداية الخيانة وإفشاء السرّ المهني".

بحديثها عن علاقة موكلتها بزوجة كمال داود كأخصائية متابعة لحالتها، لم تتردّد بن براهم ولا السيدة سعادة عربان في الكشف عن مواضع في جسدها توضح أولا الوشم الذي تحدث عنه الروائي في قصته، والعلامات والآثار والجروح التي تم ذكرها في الرواية، وحتى صورا فوتوغرافية للعمليات الجراحية التي خضعت لها سعدة في رحلة علاجها، لم تتردّد أيضا في تقديم كل الوثائق الطبية الخاصة بحالة المريضة، مؤكدة تطابق كل هذا مع ما جاء في صفحات الرواية وهي تقدمها أمام عدسات الكاميرا المصطفة لنقل حقائق القصة المثيرة للجدل.

 

 

"داود سرق حياة موكلتي وقصتها وألمها، لقد بنى نجاحه بكسر حياة موكلتي، وقال ما أراده هو أن يقال، وقتل كلمتها.. حقرها بكل ما تحمله الكلمة من معنى "، تقول الأستاذة المختصة في القانون الدولي فاطمة الزهراء بن براهم.

 

"عرضة غير بريئة".. وهذه قصة منزل إسبانيا

 

بن براهم، وخلال تطرقها لأدق التفاصيل في قصة سعادة عربان، لم تخفي إعجابها بالدور الذي لعبته الوزيرة الراحلة زهية منتوري، في حماية ابنتها بالتبني وإبعادها عن الأضواء حتى تضمن لها حياة طبيعية هادئة، "وهي التي رفضت جملة وتفصيلا طلب داود المباشر لها من أجل نشر قصتها، محذرة إياه من فضح قصتها"، تقول مشيرة إلى أنه ومباشرة بعد وفاة الوزيرة منتوري، تلقت سعادة دعوة من طبيبتها زوجة كمال داود، إلى منزلها لشرب القهوة بحكم علاقة الصداقة التي تجمع ابن سعادة بابن داود، الذي كان يتلقى دروسا في الفروسية على يديها، علما أن سعادة تمارس هذه الرياضة منذ صغرها وهي حائزة على 3 ميداليات في هذا التخصص الرياضي.

خلال هذه "العرضة الملغمة" حسب توضيحات بن براهم، التقت سعدة بكمال داود، وعرض عليها كتابة قصتها في شكل رواية وترجمتها لعمل تلفزيوني يدرّ الكثير من الأموال بالعملة الصعبة، قائلا حسب المحامية : "سنجني الكثير من الأموال بالدوفيز وستتمكنين من شراء منزل في إسبانيا بقبولك العرض.. فكانت إجابتها لا" تقول المحامية وتؤكد سعدة بإشارة واضحة منها.

 

سعادة أم

 

هذا وقد استنكرت المحامية بن براهم، ما يتم الترويج له من شائعات حسبها، التي تقول بأن سعادة أنجبت طفلها بطريقة غير شرعية، مؤكدة أن موكلتها تزوجت وحملت وأنجبت بطريقة شرعية وقانونية، وزوجها هو لسانها الذي تنطق به اليوم، منوهة إلى "المشكل الكبير الذي تتعرض له اليوم سعادة بسبب داود وزوجته والذي يواجهه كذلك ابنها، الأخير الذي تعرض لهزة نفسية إلى درجة أنه بات يشكك في هويته".

 

اكتشاف الخيانة

 

حول رواية "حوريات"، تقول المحامية بن براهم : "لقد اكتشفتها بعد يومين من صدور الكتاب، الذي تلقيته من أصدقائي من فرنسا آنذاك، وقد فاجأني صراحة، ومن هنا بدأت رحلة البحث عن تفاصيل القصة، إلى غاية التواصل مع السيدتين زهرة فاسي رئيسة نقابة ضحايا الإرهاب، وصفية فحاصي عن الجمعية الوطنية لأسر المفقودين، وبعدها التوصل إلى السيدة سعادة بمساعدة الإعلام الذي أخرج القضية إلى النور من خلال روبورتاج خاص.

 

مع الإهداء..

 

تقول المحامية بن براهم، أن موكلتها،  وبمجرّد صدور الرواية، علمت من مقربين منها أن مضمون الكتاب يحكي بالتفصيل قصة حياتها، فيما واجهت بعدها أقاويل بخصوص تلقيها لأموال وعروض مغرية في مقابل السماح بذلك، الأمر الذي حرمها النوم لثلاث ليال،

ولأجل ذلك راسلت سعدة – تضيف المحامية بن براهم - زوجة كمال داود لتوضيح اللبس، إلا أن هذه الأخيرة أخبرتها أن "الرواية لا تعنيها إطلاقا، وأحضرت لها نسخة منها، يحمل توقيع الكاتب، مع إهداء يقول "بلدنا أنقذته نساء شجاعات وأنت واحدة منهن.. مع إعجابي".

 

بموجب المادة 301 من قانون العقوبات..

 

" لقد تقدمنا بالملف بتاريخ 7 نوفمبر الجاري لدى محكمة وهران الابتدائية، قبل أن نكتشف هوية سعادة عربان التي طلبت فيما بعد توكيلي للدفاع عنها في رسالة لها، وتم تأكيد طلبنا بتاريخ 18 من نفس الشهر"، تقول المحامية مؤكدة أن العديد من المحامين الفرنسيين ومن عدة دول حول العالم أبدوا استعدادهم للتأسس للدفاع عن سعدة.

وتقول بن براهم أنه تم رفع قضيتين اثنتين على مستوى المحكمة الابتدائية لوهران، تتعلق الأولى "بإفشاء السر المهني" الذي تتورط فيه زوجه كمال داود بصفتها طبيبة الضحية، وتخص الثانية التي تم رفعها من قبل نقابة ضحايا الإرهاب، " قذف ضحايا الإرهاب ومخالفة قانون السلم والمصالحة الوطنية"، الصادر في 27 فيفري 2006،والذي يتناول في مادته الـ 46 عقوبة السجن بين 3 و5 سنوات مع التنفيذ، ضد "كل من يستعمل، من خلال تصريحاته أو كتاباته أو أي عمل آخر، جراح المأساة الوطنية أو يعتدي بها للمساس بمؤسسات الجمهورية، أو لإضعاف الدولة، أو للإضرار بكرامة أعوانها الذين خدموها بشرف، أو لتشويه سمعة الجزائر في المحافل الدولية".

"وفي حال توفر هذه الشبهة "تباشر النيابة العامة المتابعات الجزائية تلقائيا"، حسب المادة نفسها.

وتوضح المحامية في معرض حديثها، أنه ينتظر أن يتم الأسبوع المقبل استدعاء السيدة سعادة عربان لسماع وتأكيد أقوالها على مستوى محكمة وهران، ليتم بعدها استدعاء المدعى عليه كمال داود، في عنوان إقامته بالجزائر، مؤكدة رفض رفع القضية في فرنسا بحكم أن الطرفين جزائريين، وأن وقائع القضية حدثت بالجزائر (وهران) وليس في فرنسا، مؤكدة هنا أن الرواية كتبت في الجزائر ونشرت وتم الترويج لها في فرنسا.

وسيتم متابعة داود في  قضية سعادة، وبشكل أساسي بموجب المادة 301 من قانون العقوبات التي تعنى بإفشاء السر المهني "في غير الحالات التي يوجب عليها القانون إفشاءها ويصرح لهم بذلك" حسب نص المادة، مشيرة إلى أن الملف الطبي الخاص بموكلتها قد تم إخفاؤه من المصحة الطبية "وهنا يتضح  مجددا أن داود وزوجته شركاء في الجريمة، وهذا ما نطالب بالكشف عنه خلال التحقيقات".

 

فرنسا و"غونكور" أمام فضيحة من العيار الثقيل

 

في معرض حديثها المطوّل، لم يفت بن براهم التطرق إلى بعض الحقائق بخصوص علاقة كمال داود بالسلطة الفرنسية ومساهمة أطراف نافذة في منحه الجنسية وحتى في ضم اسم زوجته في صدارة قائمة اللاجئين التي تسهل حصولها على منصب عمل، وهي التي أكدت إن "الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هو من ضغط على داود لإصدار الكتاب، حسب ما قالت له لي صديقة مقربة من الكاتب".

كما أوضحت المحامية، أن لجنة "غونكور" المانحة للجائزة الشهيرة وتحديدا أعضاؤها الأربعة الذين رفضوا منح أصواتهم لكمال داود،يطالبون اليوم بإعادة الاجتماع ومراجعة القرار بعد هذه الحقائق الجديدة، مذكرة هنا بأن أول شرط لجائزة "غونكور" "أن تكون القصة وهمية وليس واقعية ولا تمس بكرامة وشرف الأشخاص أحياء كانوا أم أموات وهذا ما لم يحترمه داود.. إنه لا يستحق جائزة غونكور"، تقول المحامية..

للإشارة فإن الروائي كمال داود، رفض الخوض في القضية والرد على اتهامات السيدة عربان، مكتفيا بالقول في كلمتين اثنيتين حسب شهادة الصحفي محمد زاوي، "العدالة هي التي ستفصل"، بعد أن سأله الصحفي المغترب على هامش عملية بيع بالإهداء بمعهد العالم العربي بباريس، منذ يومين... القضية للمتابعة