38serv

+ -

"المحرقة اليهودية" أو" الهولوكوست" شأن لا يخص الفرنسيين بالضرورة في شيء، ومع ذلك تلاحق الدولة الفرنسية بموجب قانون غيسو (13 جويلية 1990) كل من ينكر المحرقة أو يشكك في أي جوانب تخصها. وقد تعرض المفكر الكبير روجي غارودي للمحاكمة بسبب كتابه "الأساطير المؤسسة لإسرائيل"، دون أن تعتبر فرنسا ذلك حرية تفكير أو حرية تعبير، فقط لأن الأمر يخص إسرائيل.

فرنسا ذاتها ترى في إنكار كاتب جزائري (بوعلام صنصال) وجود الدولة والأمة الجزائرية حرية تعبير تقتضي الاحترام وتستدعي مناقشة الفكرة. وهذا الكاتب منخرط منذ سنوات في الماكينة السياسية والثقافية الكولونيالية، ضمن دفعة واسعة من مثقفي دول العالم الثالث الذين استقطبتهم باريس وعملت على إعادة رسكلتهم (تدويرهم) وتأهيلهم السياسي والثقافي بالقدر اللازم كواجهات ناعمة للدفاع عن طروحاتها وتبييض وجهها الاستعماري البغيض، ضمن كتلة من النخب المغاربية الداعمة لإسرائيل.

تتجاوز القضية في هذه السوريالية الفرنسية مسألة اعتقال الجزائر كاتبا أو ازدواجية المعايير التي باتت تحكم ميزان المؤسسة السياسية الفرنسية والغربية بشكل عام، وقد انكشفت هذه الازدواجية على الصعيدين، السياسي والإعلامي، وعلى نحو كبير بعد عملية طوفان الأقصى، ولكنها تتعلق بمحاولة فرض القبول بنقاش بشأن وجودية الدولة والأمة الجزائرية على الجزائريين، وبالتالي الخوض في خطوط تاريخية مدججة بالمغالطات والتضليل والخرائط والأوهام المزعومة، وتلك بالنسبة للجزائريين خطوط حمراء لا يمكن أن تكون قيد نقاش، فما بالك بأن تكون مجالا للمغالطة.

إذا كانت ثمة مسألة تستحق الإقرار بها لفرنسا، داخل مربع المناكفة السياسية المتصاعدة مع الجزائر، فهي أنها نجحت، مع كل أسف، في الدفع نحو نقاش مضلل على هذا الصعيد، بأدوات ونخب محسوبة اسما على الجزائر، قادها العمى إلى تبني السردية الكولونيالية والرواية التي تؤسس للموقف السياسي الاستعماري في قراءة التاريخ، تلك التي تستفز الشعور الجمعي للجزائريين، وهي تفعل ذلك دائما. فخلال معركة التحرير حاولت تشكيل طابور خامس لصالحها، مع فارق أن النظام الثوري حينها كان يحكم بالإعدام على من ينكر حق الجزائر في الاستقلال وينحاز إلى طروحات الاستعمار.

يلاحظ الجميع أن خطوطا كثيرة فاصلة بين المجال السياسي والمجالات الأخرى ذات الصلة بالثقافة والتاريخ والرياضة حتى انمحت، مع تقدم الزمن السياسي، وأصبحت كلها مجالا واحدا ضمن مربع المشروع والخط السياسي لدولة أو محور.

ومع اندلاع المواجهة القائمة بين المقاومة وإسرائيل في 7 أكتوبر (2023)، أصبح التمايز أكثر وضوحا من قبل بين خطين لا ثالث لهما، خط تحرري تجاوز الهويات والثقافات والجغرافيا وخط نيوكولونيالي انغمست فيه حثالات من النخب والساسة والإعلاميين. وسبحان الله، لا يوجد أحد من هذه البقايا الكولونيالية الرثة يهاجم الجزائر إلا إذا كان بالضرورة داعما لإسرائيل، وفي الخلفية صلة بمواقف الجزائر وخياراتها إزاء القضايا المركزية ليس إلا.

لقد سبق غسان كنفاني الجميع حين توقع ما قد يحصل في الزمن الآتي، حيث تصبح "الخيانة وجهة نظر".