38serv
شكل الصالون الدولي للتمور في طبعته الثانية بقصر المعرض بالعاصمة، أحد أوجه الجزائر الغنية والثرية التي يزخر بها جنوب البلاد، بما يفوق 19 مليون نخلة وما يفوق 1000 صنف، فهي من الدول المنتجة والمصدرة، بل وتتصدر المراتب الأولى من حيث الجودة في صنف دڤلة نور المميزة.
وقد أصبحت دڤلة نور سفيرا محبوبا معتمدا لدى غالبية بقاع العالم، تبعا لآراء عديد المصدرين ممن، قالوا لنا: إن هذا النوع من التمور فرض نفسه بالولايات المتحدة وكندا وفرنسا وروسيا والهند وماليزيا واندونيسيا وحتى إفريقيا.. ويناشدون السلطات الالتفات من حولها لإعادة النظر في قيمة العملة الصعبة الممنوحة للمصدر، لأن القيمة الممنوحة بسعر البنك حاليا، تكبح عملهم ولا تشجعهم على ولوج أسواق دولية، وكذا إعانتهم في جانب تعويضات النقل.
تمثل الطبعة الثانية للتمور التي نظمت هذا العام تحت شعار "تمورنا... أصالة واقتصاد مستدام"، بقصر المعارض، التفاتة لتثمين ثروة النخيل التي تعد عنصرا محوريا في النظام الواحاتي بجنوب البلاد المميز بأبعاده البيئية والاجتماعية والاقتصادية. إذ تستوي واحاته على أزيد من 19 مليون نخلة، في مؤشر واضح إلى أن مادة التمور قادرة على أن تصبح قيمة مضافة للاقتصاد الوطني عبر تطوير آليات وأساليب إنتاجها، بدل البقاء ضمن الأطر التقليدية القديمة في التعامل معها.
استنادا لأرقام وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، بلغ إنتاج التمور ما بين سنتي 2021 و2023 أزيد من 11، 5 مليون قنطار، فيما بلغ معدل كمية تصدير هذه المادة الطازجة على مدى الفترة ذاتها نحو 78 مليون كغ، منها 5 ملايين كغ تمورا جافة.
هذا المعرض رافقته عدة معاهد، مثل المعهد الوطني لحماية النباتات، والمركز الوطني لمراقبة البذور، والمعهد الوطني للبحث الزراعي، إلى جانب وكالات أخرى مثل الوكالة الوطنية لترقية التجارة الخارجية (ألجاكس)، وأخرى للتأمينات لحماية المنتجين من المخاطر، إلى جانب بنوك وهيئات أخرى كمصالح الجمارك.
ويقول ممثل عن المعهد الوطني للبحث الزراعي الكائن بولاية أدرار: "إننا شاركنا في الطبعة الثانية للتمور بالعاصمة بـ49 صنفا موجودة لاسيما بمنطقتي توات وتيدلكلت.. ولكن حاليا، لدينا صنف واحد يتم تصديره يسمى "الحميرة"، لأن قيمته الغذائية مرتفعة ومتواصلة لمدة 3 سنوات، وقد أحصينا أزيد من 200 صنف من التمور بولاية أدرار...". وينحصر دور المعهد الوطني للبحث الزراعي، يضيف، في "أننا نحافظ على السلالة وتكثيرها ونطمح مستقبلا إلى تصدير أصناف جديدة مثل صنف "تالامسو" و"تاقربوشت" المشهورة عالميا".
على أرض جناح الهڤار الذي احتضن الصالون، تقاطعت طموحات الزوار والمنتجين والمصدرين. ففيما كان البعض يشتري التمر لأجل تخزينه ترقبا لشهر رمضان الكريم، كان بعض المصدرين يترقبون بدورهم ربط علاقات للفوز بعقود تسويق منتجهم للخارج، وبين طموحات هذا وذاك، كان سعر التمور يتراوح بين 200 و800 دج.
ومع ذلك، فإن ترسانة الأجهزة والمعاهد والمراكز والمصالح المرافقة لصالون التمور، يترك انطباعا واضحا على أن السلطات ماضية على نحو جدي في جعل المادة هذه عاملا أساسيا في تعزيز القيمة المضافة للبلد لإعطاء جرعات مقوية للاقتصاد الوطني، خصوصا بعد أن فرضت التمور الجزائرية نفسها كسفير بامتياز للمنتوج الجزائري بالخارج.
سعر البنك لا يخدمنا...!
ويقول مسير شركة (أورل لمويسي) لتصدير التمور الكائنة بولاية أولاد جلال، معيوف هشام: "إن التمور الجزائرية شقت طريقها نحو الأسواق الخارجية، نظرا لنوعيتها وجودتها وباتت تلقى رواجا..."، قبل أن يضيف: نحن متواجدون كمنتجين منذ سنة 2000 ومصدرين منذ 2019، نصدر دڤلة نور إلى آسيا وإفريقيا مثل الهند وروسيا، اندونيسيا، قطر وفرنسا ومالي...".
لكن مسير الشركة، يبدو أنه شارك في الصالون لتمرير رسالة إلى السلطات مفادها "رفع الصعوبات التي يواجهها مصدرو التمور، ولاسيما الضمانات الخاصة بقيمة الفاتورة، بالنظر إلى وجود زبائن سماسرة. العراقيل حاليا تكمن في صعوبة ولوج الأسواق الدولية.."، وراح يوضح "لما تستخرج فاتورة بالعملة الصعبة، الخاصة ببيع المنتوج تقدم لك الأموال بسعر البنك، عكس مصدر تونسي الذي يأخذ أمواله بالسعر الحقيقي للعملة في السوق؛ فالتونسي له امتيازات يتفوق بها على المصدر الجزائري.. فالتونسي، لما يبيع سلعته بـ20 ألف أورو، يأخذ هذا المبلغ كاملا.. أما الجزائري، فلا يأخذ هذا المبلغ كاملا بل يقدم له حسب سعر البنك..".
ونتيجة لذلك، يضيف "هناك بعض العقود لا يقدر عليها الجزائري، عكس التونسي الذي يجد سهولة في ولوج الأسواق الدولية، فإذا كان سعر الكغ من التمر هو 3 أورو، يأخذ منه الجزائري 450 دج بدل 750 دج التي يأخذها التونسي.. لذلك، فإن رسالتنا للسلطات هي إعادة النظر في القيمة الممنوحة للمصدر بالعملة الصعبة..."، ولو أن المتحدث يشير إلى أن عام 2024 عرف تذبذبا نتيجة بعض الأمراض التي اجتاحت النخيل، وكذا عدم استقرار الأسواق الدولية نتيجة الحروب، ليبقى عام 2022 ضمن الأعوام التي عرفت فيها التمور تصديرا لافتا.
والحاصل، أن الانشغال ذاته يسكن نور الإسلام فروج، مسير شركة تصدير الكائن مقرها بباتنة وورشاتها بكل من ولاية المغير ودائرة طولڤة ببسكرة، ويقول "نحن نصدر خصوصا إلى الدول الأسيوية مثل اندونيسيا، ماليزيا، والأسواق الخليجية، ولاسيما قطر والإمارات، كما نصدر الترفاس أيضا للدول الخليجية والأوروبية..".
60 يوما لنقل حاوية للخارج
ويعترف نور الإسلام بأن الدولة بإداراتها ومؤسساتها تحشد الدعم لتقديم تسهيلات للمصدرين في مسعى ولوج الأسواق الدولية من أبوابها الواسعة، ومن بين هذه التسهيلات "برنامج الرواق الأخضر للتمور الجزائرية التي أقرها الرئيس عبد المجيد تبون، وهو أن حاويات التمور لما تدخل الميناء تمر مباشرة إلى الرواق الأخضر.."، إلى جانب المشاركة في المعارض مع ألجاكس، إلى جانب صندوق دعم الصادرات لتعويض 80 بالمائة من سعر النقل، فضلا عن تسهيلات مع البنوك ومع غرف التجارة وتأمين الفواتير مع شركة ألجاكس ضد المخاطر.
وواصل قائلا "نحن ننقل السلعة مباشرة من طولڤة إلى ميناء سكيكدة ومنه إلى موانئ خارجية، وكذا من منطقة الجامعة بولاية المغير إلى سكيكدة... أما عبر المطارات، فتمورنا تمر إلى الخارج عبر مطار الجزائر العاصمة...".
ومع ذلك، يقر مسير الشركة بوجود عراقيل، من بينها أن "شركات الشحن الأجنبية تستغرق وقتا طويلا في نقل السلعة، فمثلا نقل حاوية من ميناء سكيكدة إلى ماليزيا تستغرق 60 يوما، لكن من تونس إلى ذاك البلد هناك تسهيلات في العملية..". وأبعد من ذلك، يشير إلى وجود عراقيل أخرى بشأن العملة "نحن نبيع السلعة بسعر البنك، ولما تتعامل في كل مرة بهذا السعر تجد نفسك تخسر في سعر الفائدة، فالفارق حاليا بين سعر البنك وسعر السوق الموازي هو 10 آلاف دينار، لذلك نطالب بعودة الأمور إلى ما كانت عليه من قبل؛ 50 بالمائة عملة صعبة و50 بالمائة دينار.. لأن مواصلة التصدير بسعر البنك يعرض المصدرين إلى مخاطر...".
ولا تزال دڤلة نور، حسبه، تلقى رواجا في بلدان قارة آسيا بعد أن افتكت الصدارة "نحن نصدر إلى بلدان آسيا، منتجا حيويا من التمور Bio))، وراهنا على هذه السوق؛ لأن دڤلة نور تدخل باسمها لهذه البلدان دون عراقيل ودون قيود ودون شهادات، على خلاف القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي..".
اجتاحت أوروبا وأمريكا..!
والواقع، أنه رغم القيود التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السلع والبضائع، إلا أن دڤلة نور الجزائرية شقت طريقها وتربعت على عرش التمور في العالم، نتيجة جودتها التي سحرت الأوروبيين والأمريكيين والأسيويين، وتحولت إلى سفير لا بديل عنه للمنتوج الجزائري.
شركة (ساد وازيس) الكائنة ببسكرة، واحدة من الشركات التي أصبح لها باع طويل في تصدير التمور من موقع قوة، إذ تقول فتيحة قاسم، ممثلة الشركة في معرض ردها على سؤالنا، كيف تتلقون ردود فعل الأوروبيين على منتوج دڤلة نور "زبائننا في فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، ينتظرون منتوجنا قبل موعد جني التمور بفارغ الصبر.. نحن لدينا مع فرنسا وكندا والولايات المتحدة عقود ثقة، وهذه الثقة تترجمها عدد الشهادات التي تحوز عليها الشركة... وهي تعد بمثابة ضمانات للجودة، ما جعل المنتوج يلقى رواجا.. منذ 2016..".
لكن؛ هل تملك الشركة مخبرا للجودة؟ تجيب "لا يوجد لدينا مخبر للجودة، لأن نوعية التمور لا تتم في المخبر. أما تحليل المواد الكيماوية الموجودة فيها، فنحن نقوم بها خارج الجزائر وتتم مع مخبر هولندي.."، لافتة إلى أن من بين أهم العراقيل التي مازالت تواجه إنتاج التمور، هو غياب الثقافة لدى المنتجين، كثقافة نوع وكمية الأسمدة اللازمة في الإنتاج.
مستخلصات للتجميل...!
واللافت في الطبعة الثانية هذه، بروز واجهات لمستخلصات التمور المستعملة في التجميل، وتشير رئيسة الجمعية الولائية لحماية المنتوج التقليدي، عاشور كريمة، القادمة من ولاية بشار، إلى أنه هذه المرة "تم عرض منتوجات في شكل مستخلصات للتجميل تخص تقشير الوجه باستعمال نواة التمر، لأنه يعطي لمعانا وتفتيحا للبشرة... كما أحضرنا الكركم بالتمر ومستخلصات أخرى تخص قناع الوجه ببقايا التمر... ناهيك عن فرينة التمر وبديل السكر وقهوة نواة التمر التي تم إنتاجها سنة 2017..."، وأضافت "هذه المستخلصات تلقى إقبالا كبيرا ونأمل أن يتم تسويقها مستقبلا.. ويتم حاليا تقديم دورات للمرأة الماكثة بالبيت والمطلقة لإنتاج هذه المستخلصات..".
ولقيت المستخلصات هذه استحسانا من لدن بعض النساء والفتيات ممن وجدن فيها ضالتهن في غمرة تكييف هذه المستخلصات مع آخر صيحات الموضة، وتقول نسرين مقدمة الركن الأخضر بالتلفزيون الجزائري ممن كانت بصدد شراء بعض المنتجات "هذه الأقنعة المستخلصة من التمور لم تكن موجودة خلال السنوات الماضية، خصوصا أنها منتجات عضوية حيوية تتماشى مع الموضة، تعطي نظارة للوجه ولمعانا وتفتيحا، بل هي مطهرة للبشرة.."، قبل أن تضيف "نحن نثمن هذه المنتجات التي هي مواد تجميل ونأمل أن يتم تصديرها على نحو ما يتم تصدير باقي التمور..".
بحاجة إلى تطوير وحماية..
ونقول إنه كان يفترض تطوير وتنمية سوق التمور بالجزائر، على اعتبار وجود 19 مليون نخلة، وهو عدد لا يستهان به، وإخراجه من الأطر التقليدية للإنتاج والتسيير، وجعله يسهم في دعم الاقتصاد الوطني وحمايته من البزناسية والسماسرة ممن حوّلوا الحياة في الجزائر إلى قطعة من جهنم، على نحو جعل البسطاء من الجزائريين عاجزين عن شراء هذه المادة.