خبراء يتحدثون عن قرار رفع منحتي السياحة والحج

38serv

+ -

يشكل رفع منحة السياحة في الجزائر إلى 750 أورو سنويا، إلى جانب رفع منحة الحج إلى حدود 1000 دولار، خطوة هامة تحمل في طياتها أبعادا اقتصادية واجتماعية مؤثرة على المدى القريب والبعيد. وجاء هذا القرار في سياق جهود السلطات العمومية تخفيف الضغط على السوق الموازية للعملة الصعبة وتعزيز القدرة الشرائية للمواطنين الراغبين في السفر وكذا تقليص الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية.

بخصوص المنحة السياحية، تم إقرار في مجلس الوزراء الذي ترأسه الرئيس عبد المجيد تبون في 8 ديسمبر رفع المنحة السياحية إلى 750 أورو لكل مسافر جزائري بالغ وإلى 300 أورو لكل مسافر جزائري قاصر، بدءا من جانفي 2025، كما تقرر رفع منحة الحج إلى 1000 دولار لكل حاج جزائري، ابتداء من موسم الحج القادم.

وتعد منحة السياحة المبلغ المخصص للمواطنين الجزائريين عند السفر إلى الخارج، وكانت لفترة طويلة محل انتقاد بسبب قيمتها المتدنية مقارنة بمتطلبات السفر الدولي، وكانت مؤطرة بتعليمة بنك الجزائر رقم 08-97 المؤرخة في 28 أوت 1997 المتعلقة بحقوق الصرف للسفر إلى الخارج، حيث كانت محددة في مستوى 100 أورو تقريبا مقابل 15.000 دينار. ونظرا لتقلبات الصرف، فإن القيمة عرفت تقلبات عديدة إلى حدود قاربت 90 أورو، ولم تشهد المنحة مراجعة أو تعديلا أو تغييرا على مدى أكثر من ثلاثة عقود.

ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن رفع هذه المنحة إلى 750 أورو يعد خطوة هامة نحو تمكين المواطنين من مواجهة التكاليف الأساسية للسفر، لاسيما في ظل ارتفاع أسعار الخدمات والسياحة عالميا.

ويعكس هذا التعديل، حسب الخبراء، اهتمام السلطات العمومية بتحسين ظروف المواطنين عند سفرهم، ويسهم في تخفيف الأعباء المالية عليهم، مما يعزز من صورة الجزائر كدولة تراعي احتياجات مواطنيها وتحرص على تحسين مستوى معيشتهم.

 

انعكاسات القرار على السوق الموازية للعملة

 

وأحد أبرز الإشكاليات التي يواجهها الاقتصاد الجزائري هو السوق الموازية للعملة الصعبة، التي تشكل قلقا للسلطات والبنك المركزي، فهذه السوق تنتعش بشكل كبير بسبب الفجوة بين العرض الرسمي للعملة وقيمة الطلب الحقيقي، ومن ثم فإن رفع منحة السياحة يهدف إلى تقليص أو تحجيم الاعتماد على السوق الموازية، إذ يتوقع أن يلبي جزءا كبيرا من احتياجات المواطنين بالعملة الصعبة، مما يقلل من الطلب على العملة في السوق غير الرسمية، وهذا من شأنه أيضا تقليل الفجوة بين السعر الرسمي وسعر السوق الموازية وتحقيق استقرار أكبر في أسعار الصرف.

ويعتبر القرار إشارة إيجابية تعزز ثقة المواطنين في السياسات الاقتصادية للدولة، كما أن توفير العملة الصعبة بشكل رسمي وعادل يسهم في تقوية العلاقة بين المواطن والمؤسسات المالية ويشجع على التعامل مع القنوات الرسمية بدلا من الاعتماد على السوق السوداء.

علاوة على ذلك، قد يسهم هذا التوجه في تقليل التهرب الضريبي وزيادة الإيرادات الحكومية من خلال تشجيع المزيد من المواطنين على التعامل مع القنوات الرسمية.

وفيما يخص أبعاد القرار على الاقتصاد الكلي، فإن رفع منحة السياحة يدعم المواطنين الراغبين في السفر إلى الخارج، مما يخلق فرصا لتعزيز السياحة المتبادلة وزيادة التفاعل مع الأسواق الدولية. هذا قد يؤدي إلى جذب مزيد من الاستثمارات السياحية وتعزيز مكانة الجزائر كوجهة سياحية واستثمارية.

ومن خلال تقليص الطلب على العملة الصعبة في السوق الموازية، يساهم القرار في تحقيق استقرار أكبر لسوق الصرف. هذا الاستقرار يعد عنصرا حيويا لجذب الاستثمارات الأجنبية التي تحتاج إلى بيئة اقتصادية مستقرة.

بالمقابل، فإن تحسين ظروف المواطنين قد يؤدي إلى تعزيز الإنفاق الاستهلاكي وزيادة نشاط السوق المحلية، مما يدعم النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أن التوجه الجديد يجب أن يراعي تحديات محتملة، فعلى الرغم من الفوائد المتوقعة يواجه القرار بعض التحديات، من بينها الحاجة إلى توفير العملة الصعبة بقدر كاف في البنوك، وهو ما قد يمثل ضغطا على الاحتياطيات النقدية، وفق توقعات تنقل ما بين 2.5 و3 ملايين مسافر سنويا، فضلا عن مراقبة تطبيق القرار لضمان وصول المنحة إلى مستحقيها وعدم استغلالها في المضاربات أو الأنشطة غير المشروعة.

كما أشار خبراء إلى أن رفع منحة السياحة في الجزائر إلى 750 أورو ليس مجرد إجراء مالي، بل هو جزء من استراتيجية أشمل لتحسين رفاهية المواطنين وتقوية الاقتصاد وتقليص الاعتماد على السوق الموازية للعملة. إذا ما تم تنفيذ القرار بعناية وشفافية، فإنه سيمثل خطوة هامة نحو تحقيق التوازن الاقتصادي واستقرار السوق، مع تعزيز ثقة المواطنين في السياسات الحكومية.

في سياق متصل، اعتبر دكتور الاقتصاد عبد الرحمن عية، في حديثه لـ"الخبر"، أن هنالك مضاعفات في الإعلان عن رفع المنحة، مشيرا "لقد تفاجأنا في البداية كون القرار يفترض أن يؤثر على السوق الموازية بتسجيل ارتفاع في سعر الصرف، حيث بلغ صرف 100 أورو 26 ألف دينار، ومن ثم وجب تحليل معمق للأمر، كما يتعين اعتماد البنك المركزي آليات ضبط تفاديا لكل أشكال المضاربة، على أساس آلية واضحة أن تكون في اليوم مثلا 30 أورو".