الإفراط الحركي يثير قلق الآباء والمعلمين

38serv

+ -

قد يبدو لك ابنك أنه طفل مشاغب، عدواني، يؤذي زملاءه وحتى من هم أكبر منه سنا، لا يهتم لملاحظتك ولا لتوجيهات مدرسيه، انتباهه مشتت، وتحصيله الدراسي بعيد عن المستوى.. كل هذه الأوصاف تجعل منه طفلا "شقيا" بامتياز في نظر الجميع، غير أن قلة من ينتبهون إلى أن  الطفل يعاني من اضطراب عنوانه "فرط الحركة وتشتت الانتباه"، وأنه بحاجة للمساعدة والإسراع في العلاج قبل فوات الأوان. 

يتميز الأطفال بالحركة والنشاط، ولكن إذا زاد ذلك على حده، فإنه يثير قلق الآباء والمعلمين، خاصة إذا رافقه قلة الانتباه والعدائية والتوتر، وهو حال أم إياد التي عانت الأمرين مع ابنها إياد البالغ من العمر ثماني  سنوات.

تقول أم إياد في حديثها إلينا "أنا أم لثلاثة أطفال لم أعاني كثيرا في تربية الاثنين الأكبر سنا، لكن الأمر كان مختلفا مع الأصغر الذي ظهرت عليه بوادر الشقاوة منذ أن كان في الثانية من عمره. فقد كان كثير الحركة كثير التذمر والبكاء، يحطم كل ما يجد أمامه، يضرب الأطفال في سنه، ولا يستمع إلى ملاحظتي وحرمني من حضور المناسبات الإجتماعية، فلا يمكنني اصطحابه ولا يمكنني أيضا تركه لأي شخص من عائلتي فلا أحد يحتمل تصرفاته، حتى أنني في كثير من الأحيان أضطر رغما عني إلى ضربه".

تواصل المتحدثة أن متاعبها مع ابنها تضاعفت مع دخوله الروضة عندما بدأت المربيات تشتكي من الطفل، وتصفه بالشقي والمشاغب، مضيفة "وبوصوله إلى سن التمدرس تفاقمت المشكلة، حتى نصحتني مديرة المدرسة بعرضه على مختص نفسي لأنه قد يكون مصابا باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وبالفعل كان هذا هو التشخيص الذي قدمه النفساني، والحمد لله بدأ ابني يستجيب لجلسات العلاج".

  

تركت عملي

 

الوضعية نفسها عاشتها أم أنس، التي بدأت مشاكل ابنها في سن مبكرة، ما اضطرها إلى ترك عملها في إحدى الإدارات العمومية، "فلا أمي ولا حماتي ولا أي مربية قبلت أن أترك ابني لديها بسبب شغبه الزائد عن الحدود، فكلمة "قبيح" لازمتني منذ أن كان في سنته الثانية تقريبا".

غير أنه من حسن حظ أم أنس أنها توصلت إلى فهم مشكلة ابنها مبكرا، وتأكدت من أنه اضطراب وليس شغب أطفال عادي، موضحة "نبهتني قريبتي وهي طالبة في علم النفس أن ابني قد يكون مصابا باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، خاصة وأن الأعراض التي تحدثت عنها تقريبا كلها كانت مجتمعة عند ابني".

وأضافت "وهو ما أكدته الطبيبة النفسانية التي عرضت ابني عليها والتي أوضحت لي أن هناك خطا رفيعا للتمييز بين الطفل الشقي والطفل الذي يعانى من فرط حركة، وأن النقطة الفاصلة بينهما هي درجة الانتباه. فالطفل الذي يعانى من فرط الحركة قليل الانتباه وتصرفاته غير مدروسة العواقب، أما الطفل الشقي فيكون انتباهه طبيعيا وذكاؤه جيداً".

 

المدرسة لا تتفهم

 

وووجه بعض الأولياء الذين تحدثنا إليهم اللوم إلى المعلمين في المدارس والمربين في رياض الأطفال، الذين في الغالب لا يتفهمون وضع الطفل المفرط الحركة، ويعتبرونه فقط طفلا مشاغبا "فوق العادة"، ويكون نصيبه العقاب بسبب سلوكه العدواني، وهو حال الكثير من الأطفال يُفاقم من وضعهم عدم اقتناع المربين والمعلمين بأن حالتهم مرضية.

يعتبر بعض الأخصائيين هذا الفعل لا إرادي راجع لأسباب نفسية واجتماعية وحتى وراثية مرضية، ومنها ما يكون مكتسبا يمكن علاجه وتحسين قدرة التلميذ على الاستيعاب، وهو سلوك وضع الأولياء تحت ضغط كيفية التعامل مع أبنائهم، خاصة وأن الإفراط الحركي لم يعد مقتصرا على تلاميذ الابتدائي، فحسب، بل تعداه إلى باقي الأطوار التعليمية حيث لا يمكن ضبط حركة المراهقين أيضا.

وينصح علماء النفس التربوي بالإبقاء على مكان التلميذ الذي لديه فرط الحركة بعيدا عن النوافذ والأبواب، لكي لا تكون مصدرا لتشتته، مع العمل على وضعه في ترتيب متقدم من المقاعد تساعده على التركيز مع المعلم بشكل أفضل، وبعيدا عن مواجهة التلاميذ بعضهم البعض.

وأوضحوا أن فرط الحركة يمكن أن يكون لدى الأشخاص البالغين أيضا، حيث تكون لهم صعوبة التركيز لفترات طويلة، صعوبة الحفاظ على الهدوء، القلق داخل القسم والتي تحتاج للاستشارة النفسية.

بالمقابل، يغيب أحيانا عن الفرق التربوية تكوين خاص بكيفية التعامل مع الأطفال المفرطين في الحركة، والذي لا يوجد في جدول تكوين الأساتذة وتحديدا بهذه الصفة، حيث أقر المفتش الأستاذ بن عبد القادر عبد السلام مفتش وأستاذ بمعهد تكوين الأساتذة بقسنطينة عن وجود هذه الظاهرة، التي تحمل عدة أسباب، وراثية خلفية على غرار خلل في أعصاب الحركة، وبيئية من خلال محاولة التلميذ محاكاة الأقران والجيران، ونفسية تحدث داخل المدرسة بسبب الأساتذة وضغوط الدروس والعلاقة المتوترة بين المدرسة والأسرة، مع إمكانية التنمر من الزملاء.

 

"هناك فرق بين الطفل المشاغب والمفرط في الحركة"

 

وذكرت صبرينة بوراوي، أخصائية نفسانية تربوية، أن فرط الحركة هو اضطراب عصبي بيولوجي، ينتج عن وجود اختلال كيميائي في الناقلات العصبية، وقد يكون سببه وراثيا.

وما ذكر من سوء تربية أو بالأحرى إهمال الوالدين للطفل وإدمان لألعاب الفيديو وغيرها قد تزيد من حدة أعراض الاضطراب، حيث يمكن أن يحدث في مرحلة الطفولة، ويستمر حتى مرحلة البلوغ ومرحلة الرشد بأشكال وأعراض مختلفة، مضيفة في ذات السياق، أن لفرط الحركة عدة أسباب قد تكون نفسية على غرار بعض الحالات كالتوتر، القلق، نقص الانتباه، واجتماعية تنتج عن بيئة عائلية غير مستقرة أو غياب التوجيه التربوي المناسب.

المتحدثة ركزت أيضا على ضرورة الاستشارة النفسية للأطفال الذين يعانون من فرط الحركة، فالمختص يمكن أن يقيم إذا كان فرط الحركة جزءا من الاضطراب، ويوصي في هذه الحالة بأساليب علاجية، مثل العلاج السلوكي، أو حتى توجيهات للأهل والمعلمين.

وأكدت الأخصائية وجود أسباب أخرى تؤدي إلى فرط الحركة، منها أسباب بيولوجية، كالعوامل الوراثية واضطرابات الدماغ، أو حتى بيئية، كالتعرض للسموم أو اتباع نظام غذائي غير متوازن، والتعرض لإصابات أثناء الحمل والولادة أو الأشهر الأولى بعد الولادة.

كما أوضحت أن هناك فرق بين الطفل النشيط أو المشاغب والطفل الذي لديه اضطراب فرط الحركة. فبالنسبة للأول تقول أن حركته تختلف من مكان لآخر ومن شخص لآخر، وتحصيله الدراسي عادي ويفهم ويستطيع إنجاز واجباته، مشيرة إلى أنه يمكن تقليل حركته باتباع نظام غذائي صحي بعيدا عن كل أنواع السكريات وممارسة الرياضة واللعب الموجه، واصفة ذلك بقولها "الولد البيتوتي كثير الحركة ومهما كان البيت كبيرا فهو صغير بالنسبة للطفل".

وأقرت في ذات الفكرة أن النوع الثاني يكون سلوك فرط الحركة خارجا عن إرادة الطفل، وسببه في العادة عصبي، ويؤثر ذلك سلبا على الأداء المدرسي أو الاجتماعي للطفل، خاصة إذا استمر السلوك بشكل مفرط ولم يتجاوب مع التوجيهات العادية.

وأوضحت أنه في حال ظهور الأعراض في مكانين مختلفين على الأقل المنزل، العمل والمدرسة ويؤثر سلوكه في جوانب متعددة من حياته اجتماعيًا، مهنيا وعليما واستمرت الأعراض لأكثر من ستة أشهر متتالية قبل بلوغ السبع سنوات فيجب التدخل، للحد من تأثيرات فرط الحركة على المدى الطويل.

وقالت الدكتورة صبرينة بوراوي أن الطفل المفرط في الحركة يحتاج إلى علاج الاضطراب الذي يعتمد على ركائز أساسية يكمل بعضها البعض، على غرار العلاج الدوائي والسلوكي والتربوي.