+ -

حريتي فوضاي.. هكذا قال درويش.. لكن حلم الحرية مجهض وحلم الحرية باعه تجار السياسة في سوق الخيانة المرصع بالذل والتلاعب بالكلمات.. وحلم الحرية مؤجل، مرة لأن السلطة قوية، ومرة لأن السلطة ضعيفة.. ومرات كثيرة لأن من هم في مواقع النخبة، وفي الغالب بلا استحقاق، كانوا باعة متجولين يلبسون درابيل الدين أو درابيل الحداثة أو درابيل الوطنية أو حتى درابيل الأخلاق.. لهذا سأقول لكم اليوم كلاما محزنا: لن نرحل لأي أفق جديد.. سنقبع حيث نحن في مستنقع يزداد تعفنا يوما بعد يوم.. ننبش أوراق السلطة.. ونفتش، بغيبة ونميمة، مواقف هذا وذاك.. فلا نجد أي شيء.. غير الظلام.. غير التواطؤ.. نعم نراوح مكاننا فتغدو المراوحة الفعل الإيجابي الوحيد أمامنا.. لن نتمكن من مبارحة أمكنتنا المهترئة وأفكارنا العاجزة ومطامحنا الموؤودة وأحلامنا الواهمة..لا لن يقوم لنا أمل، قد لا تستقيم قاماتنا هذا العام.. قد تظل منحنية أمام قوة السلطة بل وأمام ضعف القرار ومتخذيه وأمام عجز النظام والمجتمع.. وأمام مطحنة الفساد وأمام أموال السرقة والرشوة وأمام مطحنة النخب والآمال وأمام مطحنة الثروة والطاقات ومطحنة الأخلاق والضمائر..     حتى ضعفهم ضعف لنا وخوف لنا، وكانت قوتهم علينا، وكانت أموالنا رهن أيديهم “تستعبدنا” تخنق عواطفنا للوطن تقتل فينا إنسانيتنا. نعرف، وتأكدنا مرات ومرات، أن غضبنا لا يهمهم وحزننا لا يهمهم، لا يهمهم إلا ضعفنا.. لا يهمهم إلا استمرارنا في غفلتنا وصمتنا ونومنا، وكلما حاولنا انتزاع شيء من العقل منهم انحازوا لأوهامهم وانهزموا أمام شبقهم بالسلطة بالقوة بالوهم.. نبكي على الوطن الدم بدل الدموع ونحن نرى أن الكلمة بثمن والموقف بثمن وبيع الأوهام بثمن.. ثمن مقابل الخيانة أو التواطؤ ومقابل السكوت ومقابل وهم الأحزاب ووهم المجتمع المدني.. ويقال لنا الانتخابات الرئاسية موعد سياسي “هام!” وأقول ما قال درويش “.. هي رحلة أخرى إلى ما لست أعرف..” إنهم يتلاعبون بالكلمات التي لا يفهمونها.. وأحيانا لا يستطيعون نطقها ووعيها.. فالركود صار استقرارا والهروب صار مسعى والكذب سياسة والفشل إنجازا والخيانة صارت وفاء..    اليوم “..أينما وليت وجهك كل شيء قابل للانفجار..” صار خوفنا على الدولة واستقرارها.. صار خوفنا على الدولة من غول الفساد ومن الاعتزاز والفخر بالقوة ووهم ضرورة انتصار هذا على ذاك.. إنه العطل، إنها حال الركود وحال التقهقر بلا أي خصوبة.. خطاياهم فسادهم تقابل عجزنا ويأسنا.. وضعفهم وعجزهم يقابل غفلتنا واستسلامنا.. قواعد الحساب عندهم بعيدة كل البعد عن حسابات مصلحتنا.. بعيدة عن فهمنا.. شعورنا أنهم يحسبون مع غيرنا على حسابنا يقتلنا يقتل الأمل يقتل العقل والتعقل فينا.. يدفعنا إلى ثورة لا نملك لها بدا.. لا أحد يكلم الناس اليوم.. لا صوت لا خطاب لا فعل ولا مفعول لا ماضي ولا مضارع ولا مستقبل.. لا س ولا سوف.. سأقول لأبنائي.. احذروا منا نحن جيل الهزيمة نحن لم نعد نعرف لا كيف ولا إلى أين ولا بأي وسيلة نرحل نفر ننفصل عن زمن الهزيمة عن زمن الذل السياسي والاقتصادي.. لم نعد نعرف كيف القطيعة مع زمن الفساد مع زمن فخامته وزمن عبيده وزمن الصامتين وزمن المتواطئين ومع زمن الطامعين الطماعين.. إن نحن قلبنا أوراق الماضي نفرح حينا ونحزن أحيانا أخرى كثيرة على ثورة الآباء.. غفلنا فوجدنا العدو متغلغلا في كل دولب من دواليب الحكم والاقتصاد والثقافة واللسان.. لا نملك من أمرنا الشيء الكثير لا نملك من أنفسنا من ثروتنا من وطننا من ثقافتنا من تاريخنا من أحلامنا إلا الشيء القليل القليل.. وللذين سيسألون ولكن إلى أين؟ أقول: سندور حول أنفسنا في حركة رتيبة لا تطحن أي شيء غير شيء من الوطن وشيء مما تبقى من الدولة وما تبقى من استقلالنا وما تبقى من وهم الأوهام.. نعم سنأكل مزيدا من خبز الذل ونتجرع مزيدا من الوهم ومزيدا من الظلم وسنرى مزيدا من العجز ومزيدا من الهزيمة ومزيدا من الهروب ومزيدا من التيه ومزيدا من الانتظار.. إلى أن تأتي لحظة الانكسار.. الوطن مريض بسلطته وبعجزه وبعجزنا بسكوتنا وتواطئنا وفسادنا وفسادهم.. ولا طبيب في الأفق ولا رعاية.. طبعا سوف ننتظر زمنا آخر.. وكما قال درويش:   يا دامي العينين والكفين! .. إن الليل زائل     لا غرفة التوقيف باقية.. ولا زرد السلاسل!  نيرون مات، ولم تمت روما.. بعينيها تقاتل!وحبوب سنبلة تجف.. ستملأ الوادي سنابل[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: