+ -

مع ارتفاع الأصوات المعادية للإسلام والمسلمين في فرنسا وأوروبا، بعد الهجوم الذي تعرضت له صحيفة “شارلي إيبدو” والمتجر اليهودي في باريس قبل نحو أسبوعين، تباينت آراء من استوقفناهم من المسافرين إلى فرنسا أو العائدين منها، إزاء التخوف من تصاعد موجة “الإسلاموفوبيا”، غير أن الغالبية قللوا من درجة التخوف، واعتبروا ما حدث “حلقة جديدة في مسلسل مُمل عنوانه “أنت مسلم إذن أنت مشبوه”، مؤكدين أن “ثورة” الغضب “الشارلي” لن تطول لتفتر، وتعود الأمور إلى طبيعتها.كانت وجهتنا مطار هواري بومدين الدولي، لتقصي تبعات حادثة الهجوم وانعكاساتها على المغتربين وحتى أولئك المسافرين إلى فرنسا لزيارة قصيرة، خاصة بعد تسجيل عدة حالات اعتداء على المساجد هناك، ولم يكن صعبا حمل هؤلاء على الحديث عن “موضوع الساعة”، على غرار محمد العائد من مرسيليا، حيث يقيم منذ 10 سنوات، في زيارة قصيرة إلى العائلة.يقول محمد: “لا شيء تغير بالنسب لي، ربما لأن الوضع مختلف في مرسيليا التي تعيش فيها جالية مغاربية كبيرة، ففي باريس يختلف الأمر، هناك يشعر المغتربون المغاربيون أكثر بأنهم متهمون، لكن في الحقيقة أكثر من سيعانون من تبعات ما حدث هم المقيمون بصفة غير شرعية، سيتم تشديد الرقابة عليهم أكثر من السابق لطردهم، أعرف الكثير من الأصدقاء لم يغادروا بيوتهم منذ يوم الهجوم، في انتظار أن يهدأ الوضع”.أما ياسين العائد من باريس في زيارته الأولى لفرنسا، التي تزامنت لسوء حظه مع الهجوم على الصحيفة الباريسية الساخرة، فقد قال: “أحمد الله أن الأمر حدث في الأيام الأخيرة”، ويعترف بأن الوضع في الأيام الأولى من سفره لم يكن بالتأكيد مثل الأيام الأخيرة التي تلت الهجوم.يضيف محدثنا: “في الأيام الأولى لسفري كنت أتنقل براحة أكبر، غير أن الوضع اختلف بعد السابع من شهر جانفي، لا أنكر أنني لم أتعرض لمواقف عنصرية ولم تستوقفني الشرطة، غير أنني شعرت بنظرات الريبة والحذر تلاحقني في المترو وفي المحلات التجارية وفي أغلب الأماكن التي زرتها في وسط العاصمة باريس، خاصة أن ملامحي عربية”.وأضاف محدثنا أنه تفهم الوضع لأن هذا، حسبه، رد فعل طبيعي بعد هجوم منفذاه من أصول عربية، مواصلا: “مباشرة بعد أي هجوم إرهابي في أي مكان من العالم، تكون درجة التأهب في أقصى درجاتها، لكن سرعان ما تهدأ الأمور مثلما أكده لي أصدقائي المقيمين في فرنسا، وهو ما وقفت عليه أيضا في أماكن بعيدة عن وسط مدينة باريس، حيث بدا الناس أكثر انفتاحا وتقبلا للآخر... على كل حال استمتعت بأيامي في باريس”، يختم حديثه.واصلنا جولتنا في المطار نترقب العائدين والمسافرين إلى فرنسا، توقفنا أمام شبابيك تسجيل المسافرين إلى مدينة نيس في الجنوب الفرنسي، مدينة جنوبية مثل مرسيليا، لكن بنسبة أقل بكثير من الجالية العربية والمسلمة، وهناك تحدثنا إلى زوجين شابين، عرفنا منهما أنهما تزوجا حديثا والعروس في رحلتها الأولى إلى بيت الزوجية في نيس، لم تخف في حديثها إلينا أنها متخوفة من موجة العداء تجاه المسلمين، خاصة وأنها محجبة.تعلق محدثتنا: “أكذب عليك لو أقول إن نظرتي للإقامة في فرنسا هي نفسها قبل هذا الهجوم، بغض النظر إن كان حقيقيا أو مدبرا مثلما يروج له، تخيفني نظرة العداء تجاه المسلمين واستهداف أماكن العبادة، خاصة وأنني سأقيم في مدينة لا تتواجد فيها جالية مسلمة كبيرة”. يقاطعها الزوج الذي قلل من مخاوفها: “الأمر لا يستحق كل هذا التهويل، الحادثان ليسا بالأمر الجديد في فرنسا، دائما بعد هذه الحوادث يكون منتظرا أن يكشف البعض عن وجههم الحقيقي وكرههم للمسلمين، لكن سرعان ما تعود الأمور إلى طبيعتها، وطبيعتها هي “الهدوء الحذر”.وهو ما ذهب إليه مسافر آخر في عقده السادس، مقيم في مدينة ليون منذ ثلاثين سنة، قال إنه عاش حوادث مماثلة طيلة إقامته في فرنسا، وأكد أنه لم يشعر أن معاملة معارفه من الفرنسيين تغيرت تجاهه، مواصلا: “غداة تفجير مترو سان ميشال في باريس سنة 1995، الأمر كان أكثر تعقيدا، لكن تعايشنا مع الوضع، لكن من سيدفعون الثمن في الغالب هم أولئك الذين يقيمون من دون وثائق، لأن الكثير منهم يعيش أيامه الأخيرة في فرنسا بالتأكيد”.شاب آخر التقيناه وهو يتأهب للسفر إلى باريس في أول زيارة له لفرنسا وأوروبا، قال إنه رغم أن حادث الهجوم تزامن مع اليوم الذي اقتطع فيه تذكرة السفر، وهو ما حوله إلى موضوع سخرية بين أصدقائه، يعلق ضاحكا، إلا أنه لم يفكر أبدا في إلغاء السفر: “أعرف أننا لسنا محل ترحيب هناك قبل أو بعد الهجوم على الصحيفة، فما الذي تغير؟ ثم استفسرت من أصدقائي هناك فأكدوا أن الأمور عادية هناك فقط تشديد الرقابة على الأماكن الحساسة، ويمكن أن تتعقد إجراءات منح التأشيرة، بالنسبة لي سأستمتع بأيامي هناك لأنها ربما أول وآخر مرة ستمنح لي التأشيرة”، يقول ضاحكا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات