+ -

 يُسيِّر بالرسائل ويترشَّح وهو لا يظهر لا صورة ولا صوتا. تلك حال غريبة. بل الذي لا يصدق هو أن الرئيس يأمر السلطة التنفيذية بضمان إجراء انتخابات رئاسية ”لا يرقى الشك إلى مصداقيتها”. بل ومن السخرية القاهرة أن يدعو الجزائريين إلى ”المشاركة جماعيا في هذا الاستحقاق والإدلاء بأصواتهم لاختيار من يرونه الأصلح..” وأن يعلن عن التصريح بالممتلكات!والواقع لسنا ندري إن كان الرئيس يعرف ما هو المناخ السائد الآن، وإن كان يتابع حالة الانسداد التي تسبب فيها غيابه، والتي يتسبب فيها ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ ولسنا ندري هل الرئيس أدرك الحال التي أوصل إليها النظام السياسي بالتعديل الدستوري الذي قام به في 2008، ولسنا ندري هل يعلم أن هذا النظام لم ينتج ولا يمكنه أن ينتج انتخابات ”لا يرقى الشك أبدا إلى مصداقيتها”؟ ولسنا ندري هل يدري أن البلاد مشلولة وبلا مؤسسات، لا الرئاسة ولا الحكومة ولا المجالس ولا مسؤول يكلم الجزائريين؟لا يمكن أن لا نتذكر أن الرئيس كان قد أعلن بوضوح كامل قبل الانتخابات التشريعية لسنة 2012، أن تلك الانتخابات ستكون بمثابة ”أول نوفمبر آخر”، وهو ما كان يعني أنها كان يمكن أن تكون ”ثورة سياسية”، لكنها للأسف الشديد كانت انتخابات سيئة جدا إدارة ونتيجة، بل كانت نتائجها، ليس فقط غير ذات مصداقية، بل كانت مضحكة وكانت، هي والانتخابات المحلية بالخصوص، بداية ”اللعب بالنار”، وحملت جرعة عالية من الرداءة وتدخلا سافرا للمال الفاسد. والموقف منها كان محط إجماع اجتماعي وشبه إجماع سياسي حتى وإن لم يتمكن من تفعيل أي ضغط سياسي ضد السلطة. نتذكر كل هذا لنقول: هل تغير شيء في البلاد حتى يمكن أن نطمع في ”انتخابات” ومن دون أن نعطيها أي وصف ويشارك فيها الجزائريون ليختاروا الأصلح؟ طبعا مستحيل. الواقع أن الشك والخوف هو الأمر الأقوى اليوم، شك بخصوص حال الرئيس الصحية وشك في وجود ”حروب” بين أطراف سلطوية وشك في وجود انسداد كبير انتهى لإقرار العهدة الرابعة ومنع إقرار سيناريو آخر. الرئيس لا يعلن، حتى الآن، الترشح لعهدة رابعة إلا من خلال الوزير الأول، ولسنا ندري هل ترشح حبا في السلطة أم ضغطا من محيطه أم لأن النظام لا يستطيع إقرار شيء آخر، أم لأن السلطة صارت أساسا بين يديه وبين يدي محيطه فقط؟ ما ينبغي أن يقال هو أن الأمر في حاجة ليس فقط لإرادة ولوثبة، بل لتغيير عاجل وعميق لإنقاذ البلاد عوض إنقاذ نظام متهاوٍ وإنقاذ الفاسدين فيه.                                   وكما قال مولود حمروش، يمكن تحويل الأزمة إلى فرصة، ولكن دون ذلك شروط كثيرة، منها بالخصوص، الحساب مع الجزائريين والجزائريات وليس فقط مع أطراف المصالح المختلفة، لأنه آن الأوان لتحرير المجتمع وقواه وتقييد السلطة بالقانون.الانتخابات الرئاسية فقدت هذه المرة، أكثر من سابقاتها، الاهتمام الإعلامي السياسي، لأن الرئيس لا يترشح إلا لكي يفوز أساسا، ولأن الانشغال الأكبر صار بـ«الصراعات” وبالنيران المنبعثة من داخل دواليب النظام، ولأن الاهتمام الأكبر صار منصبا على ”الخوف” على الاستقرار، ولأن ”منافقي العهدة الرابعة” لم يتركوا للانتخابات أي مصداقية. والأخطر أن إدارة الوضع والإهمال الكلي لرأي الجزائريين وللحالة النفسية لأغلبيتهم، وخاصة الشباب، هو ”لعب بالنار”، كما أن الصورة التي أعطيت عن حال النظام الداخلية أظهرت أن المادة الأساسية المتداولة إعلاميا ليست البرامج، لأنه لا برامج تذكر، وذلك تعودنا عليه ولكن يبدو أننا وصلنا زمن التطاحن بين أصحاب المصالح والنفوذ.. و”النار” حاضرة هنا أيضا و”اللعب” بها واضح.. أما صمت الرئيس، مع حضوره الدائم في كل جدل وكل خلاف، ومع حضور من هم محسوبون عليه، في كل صراع وفي كل ”إطلاق نار”، فقد أفقد (أي صمت الرئيس) الانتخابات ما كان ينبغي أن تكون عليه، فصارت ترقب فقط لما ينجم عن قرار يجافي المنطق ولا يحسب حساب المصلحة العامة.. نعم الانتخابات ليست لا مناسبة لتقييم مدى الوفاء بالالتزامات ولا تقييم الوضع ولا التنافس على اقتراح أفضل الحلول وبدائل الحلول. غريب، اليوم، لا أحد ينتظر ”معركة” الانتخابات، فالمعارك السياسية وغير السياسية سبقتها وهذه حسمت الانتخابات ونتائجها قبل الانتخابات.. ولكن المشكلة أن الرابعة تعني أن البلاد تتجه إلى مزيد من الاحتكار، احتكار السلطة والثروة، وتسير أيضا نحو مزيد من الهشاشة وقد تتجه إلى مواجهات واسعة بين الناس وأجهزة السلطة الأمنية. نعم إنه ”اللعب بالنار”[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: