38serv

+ -

لم تكن رسالة الرئيس زروال مرحبا بها من قبل محيط المترشح بوتفليقة. لقد أخلطت ترتيبات بنيت على تواطؤ متعدد الأوجه والمستويات، بداية من التفكير في ترشيح رئيس مريض، إلى موافقة المجلس الدستوري، مرورا بتوفير شهادة طبية لمترشح غير قادر على الحركة ولا يستطيع الكلام بشكل متواصل حسب اعترافات بلخادم. لم يكن محيط منظمي حملة بوتفليقة في حاجة إلى من يزيدهم ثقلا على ثقل ”زلات اللسان” المتكررة لمسؤولين غير مسؤولين. ”زلات لسان” جعلت من أصحابها محل سخرية، وأيضا محل سخط. ويقترح الرئيس زروال، الزاهد في السلطة، مرحلة انتقالية لا يزيد عمرها عن العهدة الواحدة، تقوم خلالها السلطة الفعلية والطبقة السياسية بما فيها المعارضة، على صياغة وفاق وطني يضع ركائز الجمهورية الثانية. هذا التصور الذي يقدمه الرئيس السابق هو ما يغضب، لأنه يسحب بساط مزاعم التغيير من تحت أقدام جماعة دعاة العهدة الرابعة برئيس شكلي، لا يمشي ولا يتكلم إلا للحظات. ربما يكون معدو برنامج العهدة الرابعة توقعوا إمكانية تزايد مطالب وضغوط لإشراك المعارضة في صياغة خريطة طريق سياسية، فجاؤوا بفكرة منح مكانة للمعارضة في النظام. فكرة سبقتنا في استيرادها موريتانيا، لكن من دون روح. لأن المعارضة ينظر إليها كقطعة شاذة، وجب حجبها والحجر على مواقفها. يمكن أنهم توقعوا تزايد الضغوط، لكن على ما يبدو لم يتوقعوا لا رسالة زروال ولا رسالة حمروش، لأنه جرت العادة أن يصمت السياسي. ودخول زروال ساحة المواقف المعلن عنها، يربكهم لأن ما يأتي منه يصدر من رئيس جمهورية سابق، استقال وسلم الحكم بدستور من عهدتين، يؤسس لنظام يعمل بالتداول على الحكم، لا بالتناوب عليه. كما تحرجهم خرجة الرئيس السابق، كون أغلبهم كان من ضمن قوافل المكلفين بتنظيم المسيرات العفوية، وممن كانوا يفرشون أمامه الورود. وفوق هذا، لا يستطيعون اتهامه برغبة في العودة إلى الحكم، وهو من سار على درب الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب الذي ترك الحكم في الثمانينيات طواعية ليقدم النموذج على التداول. لكن من خلف سوار الذهب في السودان، أو زروال في الجزائر لم يقدر ذلك، فلا السودان استقرت ولا الجزائر هدأت.إن الرهان لا يتوقف أمام أسوار سرايا الحكم. فخلف القلعة يجري العمل لتجسيد مشروع يعتمد على الحكم باسم رئيس، أغلب الظن، لن نراه يتحرك أو قادرا على مخاطبة الشعب. فالرهان هذه المرة مفاتيحه بين أيدي معارضة مشتتة الرؤية لما يجب أن تكون عليه آلية تنسيقها في سبيل تجنيب الجزائر تهديدات على الحدود، وداخليا مخاطر التطرف في المواقف والمطالب. وإن كانت مداخيل سوناطراك تغطي اليوم الغضب الاجتماعي وجمود النمو الاقتصادي، فإن توقعات بتراجعها في المنظور القريب سيعري هشاشة التوازنات الحالية، والتي زادت من قوة رجال الريع على حساب الأعمال والاستثمار المنتج. هل للمعارضة القدرة على صياغة توافق فيما بينها تضغط به على السلطة في اتجاه يؤدي إلى إشراكها في صياغة ورقة طريق؟ المعارضة متفرقة، ونشعر بأن من بين ضلوعها من يؤدي مهمة كسر أي تقارب. يلعب لعبة نقد السلطة ويخدمه بزرع الفتنة والشك بين الأحزاب.المرحلة الاستثنائية، والحديث عما يجب أن يكون عليه رد الفعل السياسي بداية من يوم 18 أفريل المقبل، يعطي لرسالتي زروال وحمروش الاستمرارية بغض النظر عن الانتخابات، وهو أمر يلتقي مع حراك بعض الأحزاب والجمعيات التي تتقاطع في الأهداف وفي التحليل الكلي للأسباب التي دفعت بالبلاد إلى أزمة مزمنة، لكنها لم تشكل تصورا لما يجب أن تكون عليه آلية التحرك لممارسة الضغط. يمكن لمصالح التغيير أن تتقاطع وتخرج بوفاق وطني حقيقي، يأتي من الأغلبية غير الحاكمة تفرضه على الأقلية الحاكمة. لقد أبدى حمروش استعدادا للتعامل مع مبادرة تأتي من الميدان، ويبدي زروال استعدادات للتخلي عن واجب التحفظ الذي تستغله السلطة كسلاح لردع أي مسؤول ينتقد تصرفاتها. ربما تجاوزت الجزائر حاجز الخوف، فهل تجاوز السياسي ”حالته” وقطع السلاسل التي ”تحجر على مواقفه”؟ في حالة الأزمة السياسية المزمنة، فلا يوجد معنى آخر لـ«واجب التحفظ” غير التواطؤ[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: