الرئاسيات: تشكيك في الخارج ومقاطعة في الداخل

+ -

يشكل امتناع الاتحاد الأوروبي عن إيفاد لجنة لمراقبة رئاسيات أفريل، ضربة قوية للسلطة في الجزائر التي تحرص دائما على تسويق صورة إيجابية عن مناخها الديمقراطي العام أمام الخارج، باستغلال التقارير الإيجابية عموما التي تعدها البعثات الموفدة من هيئات رسمية دولية، وذلك للتقليل في كل مرة من التشكيك الذي يطال نزاهة الانتخابات من قبل معارضة الداخل. اكتفى مايكل مان، الناطق باسم الممثلة السامية للسياسة الخارجية الأوروبية، كاترين أشتون، بإيراد لغة دبلوماسية متحفظة في عرض الأسباب التي جعلت الاتحاد الأوروبي يتحفظ في إرسال بعثة لمراقبة الرئاسيات على غرار ما حصل مع التشريعيات السابقة، مبررا ذلك في تصريح لـ”الخبر”، قبل يومين، بأن “الدعوة جاءت متأخرة، وبناء على منهجية عملنا، فإنه ليس بإمكاننا أن نقوم بنشر في ظرف زمني قصير وإشعار متأخر، مهمة للمراقبة الانتخابية بصورة كاملة”.ويبدو أن هذا التبرير الذي يحمل في بواطنه، تلميحا إلى سوء تقدير من السلطات الجزائرية، في التعامل مع هيئة بحجم الاتحاد الأوروبي، لم يرُق للخارجية الجزائرية، التي نفت في بيان لها أن تكون الدعوة قد وجهت متأخرة. واعتبرت أن تقليص الاتحاد الأوروبي لبعثته إلى مجموعة رمزية من المراقبين، راجع في الأساس إلى مقتضيات خفض إنفاق هذه الهيئة في ظل الوضع الاقتصادي المضطرب الذي يميز القارة العجوز.بيد أن هذا السبب هو الآخر ليس مقنعا، إذ لا يمكن تصور أن يعجز الاتحاد الأوروبي الذي تمثل مجموع اقتصادياته القوة الثانية في العالم، عن تأمين مصاريف بعثة في دولة تعد استراتيجية ومحورية بالنسبة له كالجزائر، وما يزيد في دحض هذه الفرضية، أن الأزمة الاقتصادية كانت أكثر حدة في تشريعيات 2012، حيث تزامن ذلك الاستحقاق مع تفاقم أزمة الدين في العديد من الدول الأوروبية على رأسها اليونان وإيطاليا وإسبانيا، دون أن يغير ذلك من شيء في إصرار البعثة الأوروبية على الحضور بوفد كبير. ولم يمر يوم على هذه التصريحات المتضاربة بين المسؤولين الجزائريين والأوروبيين، حتى جاء تقرير للاتحاد الأوروبي حول سياسة الجوار لسنة 2013، ليكشف ربما عن السبب الحقيقي وراء هذا “النفور” الأوروبي من حضور رئاسيات أفريل، حيث أشار بوضوح إلى أن “الجزائر لم تحرز أي تقدم ملحوظ في تطبيق توصيات بعثة المراقبة للاتحاد الأوروبي في تشريعيات ماي 2012”. لكن هذا التطور اللافت في سلوك الاتحاد الأوروبي تجاه الجزائر، يبرز وفق قراءات مراقبين، أن الأوروبيين توقفوا عن منح صك على بياض للنظام الجزائري، حيث استشعروا الحرج في تزكية انتخابات، تختلف عن سابقاتها في كونها ستفرض على الجزائريين رئيسا يعاني من متاعب صحية جمة، وتتميز باكتساح موجة من المقاطعة، إلى جانب المظاهرات في الشارع والاحتجاجات الاجتماعية والإضرابات التي لا تتوقف، وهزال الإصلاحات السياسية. ويمكن في نفس السياق وضع تصريحات وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس التي انتقد فيها اعتقال معارضي العهدة الرابعة في الشارع من أعضاء حركة “بركات”، والتي استجاب لها النظام الجزائري بسرعة البرق، من خلال تصريح المدير العام للأمن الوطني اللواء هامل أن الشرطة لن تعتقل متظاهرا بعد اليوم.وبالنظر إلى اجتماع جملة من الظروف والعوامل المتداخلة، ستكون الانتخابات الرئاسية في الجزائر في مواجهة محك حقيقي لإثبات مصداقيتها، بعد موجة المقاطعة غير المسبوقة واتهام عدد كبير من الأحزاب للنظام بالتزوير المسبق، وهو سلوك لم يكن معتادا من قبل، ليزيد الطين بلة غياب المراقبة الأوروبية التي كانت ستمنح السلطة شهادة دولية بشفافية المسار الديمقراطي، وجدية الإصلاحات التي وعدت بها.وحتى وإن كان ذلك لا يرقى إلى أن يكون تشكيكا علنيا ورسميا في نتائج الانتخابات أو الاعتراف بشرعية ما سينبثق عنها، إلا أنه سيتسبب في إحراج السلطة في الجزائر عبر التقارير الدولية التي تتناول الوضع السياسي العام في الجزائر. وسيكون على السلطة مواجهة مزيد من الضغط حول وضع الحريات العامة في اجتماع جلسات مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وسيكون عليها الدفاع عن الملاحظات القوية التي ستطال الجزائر.                                

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: