+ -

يواصل دعاة ”الرابعة” تسخين وعود ما سبق من الحملات. هم يتطلعون إلى المستقبل من نافذة الماضي، ويقولون بنجاح العهدات السابقة. فماذا تقول الأرقام؟ في مارس 2013، أعدت  وزارة المالية تقريرا يعد بمثابة التقييم لفعالية ونوعية الأداء الحكومي. يقول التقرير إن أربعين بالمائة من مشاريع الرئيس لم يتم إنجازها بين 2005 و2014، وإن 220 مليار دولار لم يتم استغلالها في المشاريع المسجلة. ثم يفسر التقرير الأسباب، ليذكر، حسب ما نشرته صحف آنذاك، ”ضعف استيعاب الاستثمارات العمومية المبرمجة” و«محدودية جهاز الإنجاز الداخلي والخارجي لقطاع البناء والأشغال العمومية”، وهو استنتاج يدعمه أول إحصاء اقتصادي، قام به الديوان الوطني للإحصاء في نفس الفترة. وتوقع وزير المالية وقتها إلغاء مشاريع (وهو ما تم فعلا بعدها)، بحجة الحذر من انعكاسات تراجع سعر النفط. ولم يخف التقرير أن ما تم استثماره من أموال في القطاع العمومي، لم يحقق النسبة المنتظرة، حيث كان بعيدا عن نسبة 8 بالمائة وحتى 10 بالمائة، كما هو الحال في الدول التي تتوفر على مناخ أعمال محترم. ماذا يقول لنا الواقع الجزائري؟  حقيقة، هناك أموال ضخمة تم ضخها في السكن، وفي الطرق، وفي الأٍرصفة، وفي تحسين الأجور، أو في ضخ العلاوات والمنح. فعلا هناك جهود في الصرف، لكنها لم تتجاوز الستين بالمائة خلال العهدتين. والسؤال، لماذا يتكرر خطأ العهدة الثانية في التسيير والصرف، ليعاد في الثالثة؟ وهل تكفي وعود حملة العهدة الرابعة بتحسين الأداء، حيث عجزت عنه وزارات طيلة السنوات السابقة؟لا يمكن تبرير هذا العجز بأسباب مجردة. فهناك مال متوفر، يقابله عجز واضح. فالحكومات المتعاقبة لم تكن في رحلة بحث عن أموال، ولم يكن منتظرا منها البحث عنه. وربما الإشارة التي يستخدمها تقرير وزارة المالية عند ربطه بين نسبة النمو وبين توفر مناخ أعمال محترم، هو ما يجب أن يصل إليه الحكم الراشد في الجزائر.. عندما يصل إلى رشده.وبحكم تكوين معدي تقرير وزارة المالية، يمكن  الاستنتاج بأنهم احترموا القاعدة الذهبية عند تقييم اقتصاد بلد ما، أي  قياس نسبة النمو، ثم تحديد القدرة على استيعاب المشاريع. وهي المعادلة التي تكشف عجز الأداء الحكومي عن إنجاز ما وعد به، وعدم قدرته على استخدام الفائض المالي. فكيف سيعمل في السنوات القادمة؟ هل يواصل سياسة التشغيل في استحداث مشاريع إعادة ترميم الطرق والأرصفة؟إن الاحتجاجات المطالبة بالتشغيل المتكررة في الشمال وفي الهضاب أو في الصحراء، تعبّر عن وجود مشكلة اقتصادية واجتماعية وعن وجود مشكلة في الأرقام التي تدّعي بأن نسبة البطالة هي في حدود 10 بالمائة. وتحسس مثل هذه الحالة لا يتطلب مراجعة تقرير. فالمحيط المباشر الذي يعيشه الجزائري يجعله يتساءل، هل هو يعيش فعلا في بلد نفطي وغني. وهنا يمكن الاعتماد جزئيا على ما كتبه الجنرال المتقاعد حسين بن حديد، عندما يشير إلى 7 أشخاص يشغلون نصف مليون بورجوازي (طبقة اجتماعية ومالية) ويديرون تجارة من 20 مليار دولار (هي خارج الضرائب لأنها هي التي تشكل السوق الموازية. وهناك من المنظمات الدولية من قدر المبلغ بـ30 مليار دولار، وعلى الأقل).السؤال: أي برنامج يمكنه فض العلاقة بالحسنى، أو بأقل تكلفة ممكنة، سياسيا واجتماعيا واقتصاديا بين نظام قوة الواقع، وبين قوة القانون والتنظيم؟ ليس من باب التشاؤم القول بأن الرهان هو أكبر بكثير من دعاة العهدة الرابعة، لأنهم جزء من المشكلة، وطرف في الحالة القائمة. والصورة التي عكسوها عنهم خلال جولات لأعضاء منتدى رؤساء المؤسسات، من أجل دعم ”العهدة الرابعة ”، تحمل دلالات ورسائل. فلم يعد وجود لحدود بين السياسي والمال. وربما تراجع أمامها تأثير مؤسسات كانت تصنع الهيئة السياسية. فهل نحن أمام تغيير في طبيعة التأثير الذي كانت تمارسه مؤسسة بحجم الجيش؟ فبعض الرموز السياسية تنظر إلى المؤسسة على أنها الأداة الضامنة لانتقال هادئ، انتقال لا يخيف أصحاب المال، ولا يجعل المنافسة تميل بفعل فاعل لطرف على آخرين. وفي الواقع، هل ما تشعه الحملة الحالية يوحي بعدالة المنافسة، وبحياد المؤسسات؟ ما نلمسه أكثر هي تلك الرغبة في استمرار ما هو قائم على أنقاض ما كان قائما .. وفي استمرار الاحتفال (والافتخار؟!) باستقبال وفود تأخذ أكثر مما تعطي[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: