حلفاء الرئيس المترشح يجلبون له السخط بدل التسويق لمشروعه

+ -

 لا يختلف اثنان أن جزءا كبيرا من مسؤولية مظاهر التوتر في الحملة الانتخابية التي تطال تجمعات حلفاء الرئيس أكثر مما تطال منافسيه، يتحملها خطاب من كلفوا بالترويج لمشروع بوتفليقة لما يحمله من “منطق قوة” و “استفزاز” لنعرات جهوية و “تخوين” للرأي المخالف، مع أن الأصح كان أن يحمل خطاب الرئيس المترشح لهجة “جامعة” من مرشح “جامع” يرافع بقوة لخطاب الاستقرار.بمجرد ظهور حركة “بركات” المناهضة للنظام القائم وواجهته المجسدة في مشروع العهدة الرابعة، سارع عبد المالك سلال إلى وصفها بالناموس الذي “نمتلك المبيد لمحاربته”، فكانت تلك إحدى غلطات الرجل الذي كان إلى وقت قريب وزيرا أول لكل الجزائريين، سواء منهم من يدعم بوتفليقة أو من يكن له الخصومة، ولم تكن تلك “السقطة” الوحيدة من سلال بعدما فاقم الوضع بتهكمه الشهير على الشاوية ولو في “غفلة” من أمره، ما حرك مشاعر الغضب على أساس “مناطقي” في جهة بأكملها، وكان الأجدى لمدير حملة الرئيس مراجعة خطابه خلال الأسبوعين الماضيين على الأقل لتطييب الخواطر، إلا أن اللهجة “غير المدروسة” والاستهزاء في اختيار الكلمات أوقع حملة الرئيس في مظاهر عنف.ولا يتوقف الأمر عند سلال، بما أن عمارة بن يونس دخل بدوره على خط “الاستفزاز” اعتقادا منه أنه يرفع خطابا سياسيا ناضجا، فهو من لعن من لا يكن الحب للرئيس بوتفليقة ولم يعرف بعدها سبيلا للتدارك لما حاول جاهدا التغطية على تصريحه غير المسؤول، وهو سلوك يعطي انطباعا بأن جماعة الرئيس تؤمن بفكرة أنه “من ليس معي فهو ضدي”، وهو منطق من لا يملك الحجة والدليل في الإقناع، وهو ما انسحب على لهجة كثيرين ممن يدعمون الولاية الرابعة، وذلك حقهم، لكن الشعارات التي يرفعونها تحول لهجة تخوين واتهامات قاسية لا تجد من يردعها في المديرية التي يشرف عليها سلال، رغم أن الكثير من الجزائريين يشعر أنه مقصود بتلك الإهانات. وتذكر المشاهد الحاصلة في تجمعات سلال وباقي أعضاء الحملة الانتخابية، بنتائج “سقطته” لما كان وزيرا أول في عز موجة الغضب التي اجتاحت ولايات الجنوب، حين استعمل كلمة “شرذمة” لوصف فئة تستعمل العنف لتسويق مطالب التشغيل، ولو أن سلال لم يقصد حينها توجيه شتيمة لجزء من الجزائريين إلا أن موقعه كرجل دولة كان يفترض أن يجعل كلماته في الميزان قبل النطق بها، فتلك التجربة كانت سببا في تأجيج غضب مضاعف في الجنوب أدى إلى تأجيل الحلول بولايات كثيرة لاسيما في ورقلة، وفي نسخة مكررة تسببت زلة لسان سلال حول الشاوية في تحريك مشاعر الغضب والشعور باستهداف “جهة” بعينها، وقد انسحب ذلك على كل الوجوه المحسوبة على الرئيس المترشح ولم تقتصر ردة الفعل على سلال لوحده، فحتى وزير الصحة عبد المالك بوضياف وهو ابن المنطقة كاد يتعرض لاعتداء عنيف لولا “تهريبه” بصعوبة لما حاول تنشيط تجمع لصالح الرئيس المترشح، قبل أن يتخذ عبد المالك سلال قرارا بإلغاء تجمعه في باتنة الثلاثاء المقبل، وفي ذلك مؤشر خطير يطرح تساؤلا: كيف لممثل الرئيس الذي حكم البلاد 15 عاما لأن لا يكون في مقدوره ولوج منطقة على قدر من الأهمية في لغة “التوازنات الوطنية” في حكم البلاد؟ويتفق كثير من المراقبين أن الخطاب “الاستعلائي” في تسويق صورة المرشح عبد العزيز بوتفليقة ساهم بصورة كبيرة في صناعة مظاهر الرفض، ما يطرح أسئلة حول الجهة التي اختارت وجوه الحملة الانتخابية لبوتفليقة، إلى درجة أن شخصية كعمار سعداني لم يتمكن حتى من تنظيم تجمع شعبي في ولاية الوادي التي ينحدر منها والتي يفترض أن أصوات مواطنيها هي من صنعت منه رئيسا للمجلس الشعبي الوطني في وقت سابق، ويمكن توجيه التهمة فيما يحدث مع حملة الرئيس إلى طبيعة الخطاب في حد ذاته، على أساس أن تجمعات أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم لم تطلها الاحتجاجات بقدر ما طال تجمعات سلال وعمارة بن يونس وغول وسعداني، وهذا مؤشر بليغ بأن المواطن “مستمع جيد”، وله القدرة على التمييز بين الخطاب السياسي الجاد حتى لو كان لا يثير الإعجاب، وبين “الدروشة” التي تحولت إلى مجال للتنكيت في الداخل كما الخارج.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات