اشتكى الرئيس المترشح عبد العزيز بوتفليقة من ”عنف” علي بن فليس أمام مسؤول أجنبي، وهذا تصرّف غير معهود لدى الرئيس والجماعة المتواجدة بالرئاسة، ولكنه يحمل دلائل عميقة أهمها على الإطلاق تذمر الشاكي من عدم ”انحياز الجهاز الوطني للتزوير” له، على خلاف المرات الثلاث الأخيرة.عندما قال بوتفليقة لوزير خارجية إسبانيا، إن ”مترشحا هدد الولاة والسلطات بدعوتهم إلى الخوف على عائلاتهم وأبنائهم، في حال التزوير”، وأن كلام هذا المترشح ”يعتبر إرهابا عبر التلفزيون”، فهذا يعني أن جماعة الرئيس مضطربة والخوف يسكنها. وسبب الاضطراب، على الأرجح، أن الجهة القوية في النظام التي تصنع نتائج الانتخابات، بترجيح كفة مترشح أو حزب بعينه، غير متحمسة لتكرار انحيازها لبوتفليقة للمرة الرابعة.وعرف عن الرئيس بوتفليقة في المواعيد الانتخابية التي خاضها، أنه يتحكم في المعادلة الثلاثية التي تحسم نتائج الاستحقاقات وهي: القضاء والإدارة والمخابرات.. ويبدو هذه المرة أن الطرف الأخير النافذ في هذه المعادلة، ومصدر الأوامر بالتزوير، لم يحسم موقفه لمصلحة سابع الرؤساء. ولما يستغل بوتفليقة الرئيس، فرصة اللقاء بمسؤول أجنبي زار الجزائر لشيء آخر غير الانتخابات، ليشتكي كمترشح من خصمه، فهذا مؤشر على أن اللعبة لم تحسم بالشكل الذي أوحته رسالة بوتفليقة، بمناسبة سقوط الطائرة العسكرية بأم البواقي، التي تناولت الصراع المفترض بين المخابرات والرئاسة حول العهدة الرابعة.وتأخذ الشكوى التي رفعها بوتفليقة لوزير خارجية دولة عضو في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، تفسيرا معينا في سياق الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد. فأهم ما في الأمر أن بن فليس حذّر الولاة ورؤساء الدوائر من التزوير، ووضعهم أمام مسؤولياتهم إن مارسوا الغش، كما جرى في 2004، بحسب بن فليس. وكلام رئيس الحكومة سابقا، انطلق من تصريحات مثيرة لوالي وهران سابقا بشير فريك الذي قال لتلفزيون ”الشروق”، إنه كان يتلقى أوامر بتزوير نتائج الانتخابات لما كان في الوظيفة الحكومية. هذا التصريح لا يصبّ في مصلحة بوتفليقة، بالتأكيد، ولا يخدم الحاشية المحيطة به.شيء هام آخر يفسر اضطراب الرئيس وجماعته، هو الرفض الشعبي الذي واجهه الموالون له في عدد كبير من الولايات أثناء الحملة الانتخابية، خاصة بولايات الشرق وفي الجنوب أيضا. وفي المقابل لقي بن فليس، الذي يشكو بوتفليقة ”عنفه”، التجاوب الشعبي في الكثير من الولايات. وهاتان الظاهرتان تؤرّقان عصبة الرئيس، خاصة الأولى التي تؤكد بأن ”الجهاز الوطني للتزوير” لم يحرّك الآلة لملء القاعات التي نظم فيها ”الوكلاء السبعة” تجمعاتهم، ولم يفرش لهم ”السجاد الأحمر” في المناطق التي حلّوا بها، على عكس توقعات العصبة.ما يلفت الانتباه في تصرّف بوتفليقة، أنه أقحم أجنبيا في صراع داخلي بينما قانون الانتخابات الذي أعدّه هو وأصدره البرلمان في 2012، يمنحه آليتين لإيداع شكواه ضد بن فليس: لجنة مراقبة الانتخابات ولجنة الإشراف على الانتخابات، فلماذا لم يتوجه إليهما؟ ولماذا لم يتوجه للجزائريين، الذين أمعنوا حسبه في الإلحاح عليه لكي يترشح للرابعة، ولو لبضع دقائق ليقول لهم إن خصمه بن فليس ”يمارس الإرهاب” وبأنه ”حاد عن أخلاق المنافسة”، وهي المعاني التي بلّغها لوزير خارجية إسبانيا؟! لماذا أقامت لويزة حنون الدنيا عندما اشتكى علي بن نواري والجنرال الطاهر يعلى للأمم المتحدة، واتهمتهما بالبحث عن التدخل الأجنبي، بينما لا يسمع لها صوت بعدما طلب بوتفليقة هذا التدخل بشكل صريح من بلد أوربي؟!
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات