+ -

الإرهاب.. هذه التهمة الجاهزة التي اخترعتها أمريكا لدس أنف كل عربي يعارضها في التراب، والقضاء على كل قوة وطنية تبحث عن رفع أيدي الخارج عليها والاستقلالية السياسية والاقتصادية.. أصبحت كل الأنظمة العربية تستعملها وبنفس المبدأ ولنفس الغاية، فالأنظمة تآكلت بسبب عدم تجديدها لميكانيزمات العمل داخل المجتمع وأطر التخاطب مع الشعب، خاصة مع شباب متفتح على العالم الافتراضي وتقنيات التواصل الحديثة، من الفايسيوك وتويتر والفضاءات المفتوحة على الآخر، الذي تعلم منه الحرية وترسّخ عنده الفكر النقدي، الذي يرفض الانقياد والانصياع.. الشباب الذي كسر مفهوم الخطوط الحمراء والرموز، وأصبح ينظر إلى الوطنية من منظور مغاير وأكثر واقعية يرتبط بالحياة أكثر من المُثل، وبالواقع أكثر من الماضي والتاريخ. هذا الشباب أصبح لا تغريه الخطابات الرنانة عن الانتماء والوطن والتضحية، ولا تقنعه، والأهم لا تغيّر واقعه ومصيره.. شباب أصبح يرفض كل شيء غير ملموس ولا يقنعه أي شيء، لأنه تفتح على الآخر وعرف كيف صنعت شعوب أخرى طفرات في العالم وقفزت من المجهول إلى المحترم جدا، هذه الأنظمة انفلتت من بين أيديها خيوط الڤراڤوز التي كانت ولم تجد أفضل من ثلاثة مصطلحات أساسية تستعملها كتهم وبالترتيب التدريجي، وفق خطورة موقفها. تبدأ الخطورة من الدرجة الثالثة بعبارة "إنهم يهددون استقرار البلد"، هذه الشرذمة التي لا تعي ما تقول تهدد استقرار الجزائر، التي لا يختلف نظامها عن كل الأنظمة، سوى أنه أذكى وأدهى وأكثر تغلغلا داخل القوى الحية في المجتمع، فَقدَ هذا النظام الذي كان يحرّك اللّعبة الأمنية والسياسية في الجزائر بوصلة توجه هذا الشباب، ولم يجد عند بداية بوادر الرفض في المجتمع إلا التخويف بمسألة الأمن والحفاظ على الاستقرار، وبعد أن خرج الشباب، وتحول الرفض من مجرد إحساس يعبّر عنه في المقاهي وفي الجامعات والمعامل، إلى حركة حقيقية، سواء بظهور مرشحين رافضين للوضع الحالي، أو حركات تبحث عن التغيير الجذري وتدعو إلى مقاطعة كل ما يرمز للنظام حتى الانتخابات الرئاسية، التي لا ترى أنها تعبر عن الطموح الحقيقي لشريحة كبيرة من الشباب، تغيّر الخطاب وانتقل إلى الدرجة الثانية، وأصبحت تهمة التهديد بالتدخل الأجنبي واتهام الجميع بالعمالة إلى الخارج وبأيادٍ خارجية تحركه. وبما أن هذه التهمة لم تعد تنطبق على شعب يعرف جيدا هذا النظام، فقد انتقل هذا النظام إلى المرحلة الأخيرة وهي الأكثر دقة وخطورة، بأن يتهم كل من يرفض بقاءه.. وكل من ينتقد تصرفه.. وكل من يحذره من التزوير أو التلاعب بأصوات الشعب.. وكل من يقاطع.. وكل من يقول لاااااااا بـ”الإرهابي”. إنها التهم الجاهزة التي علينا أن نحاربها أيضا، ونقف ضد كل من يستعملها في وجه أي جزائري، حتى لو كان هذا الذي قالها هو رئيس الجمهورية، الذي يفتخر بأنه هو من أوقف آلة الموت وأخرج كلمة “إرهاب” من القاموس اليومي للجزائريين. علينا أن نحارب كمجتمع مدني وإعلاميين ومثقفين وسياسيين وجامعيين، هذه التهم الجاهزة التي يشهرها أي جزائري في وجه أخيه مهما كانت، ونقف أمام الاتهامات الباطلة، التي تفتح الباب للفتن، وتزيد من جراح الوطن، وتوطن للفرقة والتشتت والصراعات داخل المجتمع.. وعلينا أن نحدّد المصطلحات جيّدا، وأن ندرك مدى خطورة كل كلمة، فليس كل من عارض إرهابي، وإن كان كذلك فإن 50 بالمائة من الجزائريين معارضون، وإن لم يعجبكم كلامي فسجلوا أني أعارض وأني "إرهابية" بمفهومكم الخاص جدا..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: