السلطة لا تتألم مهما كانت المشاركة الحقيقية متدنية

+ -

 ”رئاسيات على مقاس عبد العزيز بوتفليقة”، عنونت صحيفة ”لوفيغارو” وصفها للانتخابات الرئاسية في الجزائر، وقالت لوموند إن ”بوتفليقة في أحسن رواق للفوز بالعهدة الرابعة”، واصفة مجريات العملية الانتخابية بأنها ”غير مفاجئة”، في حين ذكرت فرانس 24 أن بوتفليقة ”أدلى بصوته وهو على كرسي متحرك”. وتوقّعت صحيفة الغارديان البريطانية، امتناعا كبيرا عن التصويت قد يناهز الثمانين في المائة، ليلتحق بوتفليقة بنادي زعماء مدى الحياة. هي صور تلخص لوحدها مجريات انتخابات رئاسية وصفت قبل انطلاقها بشتى الأوصاف والنعوت.لم يحد التلفزيون العمومي في تغطيته للانتخابات، عن تقاليده، بحيث لم تغب عبارات ”استيقظ المواطنون باكرا لأداء واجبهم الانتخابي”، في وصفها للإقبال الشعبي نحو هذه الانتخابات. لكن رغم حالة الطقس الربيعية المسجلة في كل ولايات الوطن المساعدة على ظروف الاقتراع، غير أن المشهد الانتخابي العام لم يختلف عن سابقيه. وحتى وإن زالت الطوابير التي افتعلت قبل الاقتراع حول محطات البنزين والمخابز جراء تدافع المواطنين حولها لقضاء حاجاتهم قبل قدوم ”العاصفة الانتخابية”، بفعل خطابات ”الرعب” التي بثتها بعض القنوات التلفزيونية الخاصة، غير أن الحركة صبيحة يوم الاقتراع كانت أكثر من عادية، فالمحلات التجارية مفتوحة والحركة المرورية كعادتها مزدحمة، رغم أنه يوم عطلة مدفوعة الأجر، ولا شيء يوحي بأن الجزائريين تأثروا بـ«الفوبيا” في الشارع التي سبقت موعد 17 أفريل.ولم يكن الذين استيقظوا عن بكرة أبيهم، مثلما يسمون في لغة الخشب باليتيمة، لأداء واجبهم الانتخابي، غير أولئك الشيوخ والمتقاعدين الذين مازالوا أوفياء على مر السنين في زيارة مكاتب الاقتراع وفي التوقيت نفسه دائما. ولولا هذه الفئة، لما وجدت الصور الأولى عن بداية الاقتراع. فلماذا في بلد أغلبية سكانه من شريحة الشباب، لكنه لا ينعكس ذلك أمام بوابات مكاتب الانتخاب في الجزائر، تقريبا في كل المواعيد الانتخابية، حيث لم يسجل سوى نسبة 9.15 في المائة في نسبة المشاركة في صبيحة الاقتراع، حسب وزير الداخلية؟ هل الشباب بطبعهم مقاطعون للانتخابات؟ هل لعدم الثقة في السياسيين؟ أم أن عدم مصداقية الانتخابات وأحاديث التزوير وتحديد المرشح الفائز سلفا، وراء فقدان شهية الناخبين الذي يزداد من انتخاب لآخر؟ هذه المؤشرات بحاجة إلى دراسة معمقة من قبل السلطة التي تريد أن تحكم البلد، واستعصى عليها دوما كسب ثقة ”الكتلة الصامتة” التي سجلت حضورها فقط في الاستفتاء حول الاستقلال في عام 62.ووجدت السلطة نفسها هذه المرة، ليس فقط في سباق من أجل إسقاط المرشحين من خصوم الرئيس المرشح. بل الأهم من ذلك، في منع أي انتصارات يمكن أن يحققها أو تحسب على المقاطعين، من خلال ما صنعته من وراء شعارها ”الاستمرارية” لعهدة الرابعة أو ”الفوضى”، لقطع الطريق على نداءات الشارع المطالب بـ«التغيير”، من خلال إعادة إحياء هواجس سنوات الدم لإخراج المواطنين إلى صناديق الاقتراع، بعدما لم تستطع إقناعهم بحصيلة العهدات الثلاث، وبالبديل المقدم من خلال رئيس مقعد على كرسي متحرك. وبدا جليا الانقسام داخل السلطة وغياب ”التوافق” حول مرشح السلطة، في خريطة التصويت الوطنية المرتفعة غربا والمتدنية وسطا والعقابية شرقا، وهو تباين لم يكن موجودا في السابق، ما يعني أن السلطة بحماقاتها أعادت السلوكيات الجهوية، لكونها تريد انتخابات على المقاس ولا تتألم مهما كانت درجة المشاركة الحقيقية متدنية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات