السلطة تصنع مشهد “ما أريكم إلا ما أرى”

+ -

 لم تخلف نتائج الاقتراع أي منهزم من بين المرشحين بعد فوز بوتفليقة بعهدة رابعة، لأن الوحيد الذي كان سيقال عليه كذلك هو الرئيس المرشح باعتباره المنتهية ولايته، أما بقية منافسيه بمن فيهم بن فليس، فلا أحد كان مرشحا للذهاب إلى الدور الثاني لكي لا نقول التفوق والفوز على مرشح السلطة.مادامت الانتخابات في نهاية مطافها لم تفرز أي منهزم، وهو أمر غريب خصوصا في الانتخابات، فإن السلطة لم ترد من وراء النتائج المعلن عنها الاكتفاء بالفوز فقط، بل كانت رسالتها البارزة هي سعيها لإفراغ الساحة من كل ما من شأنه أن يرمز لوجود معارضة ضدها أو يؤشر على وجود مقاطعة أو يوحي عن بؤر غضب وعصيان شعبي عليها. وانطلاقا من أن الحسم في ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة وفوزه المسبق كان مقررا ومبرمجا منذ أمد بعيد، بدليل أن لا أحد أو جهة في المعارضة أو الموالاة كان لديه أدنى شك في ذلك، فكل الأحزاب ضبطت عقارب ساعاتها على ما بعد 18 أفريل وإعلان فوز الرئيس، إذ إن مجريات العملية الانتخابية داخل دوائر السلطة كانت ترتكز في قراءتها للخريطة الميدانية على ضرورة دحض أطروحات خصومها بالدرجة الأولى، وهو أحد أهم أهداف الاقتراع.إذ حيثما كانت درجة الاحتقان الشعبي بارزة ضد السلطة، على غرار غرداية (أحداث العنف)، ورڤلة وإليزي (حركة البطالين) أو دعاة المقاطعة على غرار ولايات القبائل أو نداءات “الفيس المحظور” وحتى في ولايات الشاوية التي غضبت ضد نكتة مدير حملة الرئيس وصوتت عقابيا، اجتهدت السلطة من خلال الإدارة على النفخ في نسب المشاركة بالشكل الذي يسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب والسياسيين الواقفين وراء تلك النداءات، ومحاولة إظهارهم للرأي العام خصوصا الخارجي على أن معارضيها في الداخل مجرد “ظواهر صوتية” ولا امتداد لهم في الواقع الشعبي.ولهذا الغرض حولت السلطة الانتخابات من اقتراع لاختيار رئيس من بين 6 مرشحين إلى استفتاء حول سؤال “هل أنت مع الاستقرار أم لا؟”، والإجابة حول ذلك مضمونة ولا مفاجأة تنتظرها في عملية الفرز لمعرفتها، رغم أنه ليست هذه هي القضية المطروحة، بل المسألة تخص طريقة الحكم والفساد والحقرة وغياب الحقوق والتضييق على الحريات وهشاشة مؤسسات الدولة وعدم مصداقيتها وانفراد السلطة بكل شيء وتغييب مقصود لكل السلطات المضادة وعدم قدرة الرئيس على ممارسة مهامه بفعل المرض، وبعبارة أخرى حالة “ستاتيكو” التي دخلت فيها البلاد هي التي جعلت الموعد الرئاسي ليوم 17 أفريل يعرف كل ذلك السجال السياسي غير المسبوق، وتخرج شخصيات وطنية لها وزنها حتى من واجب التحفظ الذي التزمته منذ سنين.لكن النتائج التي أريد لها أن تكون رسمية في هذا الاستحقاق الرئاسي، أن السلطة أرسلت رسالة إلى خصومها السياسيين وإلى المجتمع المدني الذي ثار واحتج وغضب في أكثر من ولاية حول مطالب سياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ومهنية، عن إدارة ظهرها لكل من يخالفها الرأي والموقف، وجعلتها تعتقد زورا بما حققته في صناديق الاقتراع من نسب وأرقام، بأنه يحق لها القول “لا أريكم إلا ما أرى”، وهي مقدمة حول ما هو آت بخصوص تعاملها مع الملفات الكبرى القادمة على غرار تعديل الدستور والإصلاحات السياسية التي أعلن عنها أثناء الحملة الانتخابية من قبل وكلاء الرئيس، وهو استمرار لتكريس الانفراد بالسلطة وإلغاء الآخرين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: