الجزائريون يتبنون عقيدة انتخابية جديدة هندستها السلطة بمنطق “تطرفي”

+ -

 في ظرف 15 سنة، تبدلت “العقيدة الانتخابية” لدى الشعب الجزائري، بتبدل خارطة سياسية، أغلب مكوناتها، اصطف “طوعا” جنب السلطة، مقابل شعب مرهق من عشرية سوداء، أثنته عن المبادرة، تحت وطء الخوف من المغامرة، تارة، والرغبة في استيعاب معنى “الحياة الجميلة” ومحاولة محاكاتها بما تيسر، تارة أخرى، بعدما خسر سنوات عديدة من عمره، تائها في البحث عن الخطأ من الصواب. السلوك الانتخابي الجديد الذي أبان عنه الناخبون يوم الخميس 17 أفريل، ظهر في صورة شعب يبحث عن ملجأ، وحتى هؤلاء الذين أداروا ظهورهم لصناديق الاقتراع، وكأنهم، كذلك، شعب يبحث عن ملجأ، لكن نتيجة المشاركة الانتخابية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية، حيث لم تزد عن 51,70 بالمائة، نتيجة تتطلب تحليلا وتدقيقا واقعيا، ليس لأنها أضعف نسبة مشاركة في اقتراع رئاسي منذ الاستقلال، ولكن، كيف أن مسار ما قبل 17 أفريل، سار إلى 17 أفريل بمنطق نصفي، طال شعبا، نصفه الآخر لم يصوت، ولما يمتنع نصف الشعب عن التصويت لاختيار المسؤول الأول عن البلاد، (نسبة الامتناع 49,30 بالمائة حسب الرقم الرسمي) فهذه رسالة واضحة عن شرائح واسعة ناقمة من الوضع، وما يؤسف له، أن هذه الوضعية لن تجد لها تفسيرا أو سعيا إلى تبرير، لا من وزير الداخلية ولا من الحكومة بمجملها، حتى تتفادى البلاد وضعية مثيلة في المستقبل. الواقع أن نتائج الانتخابات التشريعية دفعت الموالين للرئيس بوتفليقة إلى إقامة الأفراح والاحتفالات، تماما كما دفعت خصومه إلى إقامة المآتم والجنائز الرمزية.. هي نزعة انتقامية متبادلة، تماما كما بني المسار الانتخابي منذ انتقال الرئيس بوتفليقة للعلاج بباريس على الانتقام، وعقب الخميس، لا أحد من الفريقين سعا إلى فك ألغام الامتناع عن التصويت، وحتى المقاطعون لم يختبروا قوتهم، بمحاولة معرفة إن كانوا فعلا قد “نجحوا”، عبر محاولة طرق مخيلات هؤلاء الذين قاطعوا، حتى وإن صدقوا القول إن المقاطعة بلغت 80 بالمائة، لأنه إذا كان هؤلاء المقاطعون ينتمون إلى وعاء انتخابي لبى دعوة المقاطعة، فهذا يعني أن المقاطعة كانت بالدرجة الأولى سياسية، خاصة إذا تم قياس ذلك بتراجع نسبة المشاركة، وحسب الأرقام الرسمية دائما بـ22 بالمائة (من 74 بالمائة سنة 2009 إلى 51 بالمائة 2014).والغريب في الأمر أنه غالبا ما قدمت السلطة مبررات “فوق العادة” عن ضعف نسبة المشاركة، بمقارنات غير منطقية، مثلما فعل وزير الداخلية الطيب بلعيز الذي تحدث في ندوة إعلان النتائج، الجمعة، عن دولة، لم يسمها لكنها فرنسا، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة في محلياتها، بداية أفريل، 38 بالمائة، لكن مثل هذه المقارنات كثيرا ما لم تأت في مكانها، خاصة عندما نتحدث عن بلد يؤمن فيه المواطن بأنه فعلا يعيش في دولة مؤسسات، ودولة قانون، ودولة كرامته فيها غير قابلة للمساومة، سواء ذهب لينتخب أم لم يذهب، كما يعرف المترشح مهما كانت انتماءاته السياسية أنه تحت طائل المراقبة. ثم أن الأمر يتعلق بانتخابات محلية، يعرف المواطن الفرنسي أنها انتخابات لا تحدد توجهات دولته الكبرى، أما حقوقه فهي مصانة بموجب الدستور ملفوف بمناعة، وغير مرتبطة بصناديق الاقتراع.أنتجت نسبة المشاركة ونسبة المقاطعة في الانتخابات الرئاسية، 17 أفريل، فارقا شاسعا في التوجهات الشعبية المرتبطة بالميولات الانتخابية لدى الجزائريين، بشكل صعب الفهم، حيال من الذي على صواب: هؤلاء الذين انتخبوا أم أولئك الذين قاطعوا؟ وبين هؤلاء الذين انتخبوا بوتفليقة والذين انتخبوا غيره، وهؤلاء الذين لم ينتخبوا أصلا؟.. صحيح أن الانتخاب سلوك تعبيري حضاري، عبر عنه ناخبون، لكن، أليس مشروعا التساؤل التالي: هل الممتنعون عن الانتخاب، قصّر في فهم أن الانتخاب سلوك حضاري أم أنهم واعون تمام الوعي بذلك، لكنهم يعتقدون أنه لا يمكن ممارسة سلوك حضاري في ظروف سياسية لا علاقة لها بالحضارة والسلوك المدني؟.. هناك خطان بتوجهات شعب، أبان عن عقيدة انتخابية متباينة والتباين بينهما خطر على المجتمع والدولة، نابع من خطر شيوع نزعة الكراهية والتطرف بين عشاق بوتفليقة وكارهي عشاق بوتفليقة.ومهما يكن، فإن نتيجة المشاركة في الانتخابات جاءت نصفية، والملاحظ أنها حاكت مشهدا نسب إلى السلطة قبل الانتخابات، أنها منقسمة بين الدافع إلى ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة وبين الرافض لذلك.. وصور هذا المشهد للشعب وللنخبة، على أنه حقيقي، خاصة بعد أن طعم الصراع بفصول قبضة حديدية بين الرئيس بوتفليقة مع الجنرال محمد مدين، عبرت عنه صيحة عمار سعداني. لكن قبل الانتخابات وبعدها انقلبت المفاهيم: فبعدما كانت السلطة منقسمة والشعب يتفرج، أصبح الشعب منقسما والسلطة تتفرج.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات