+ -

 سيدي الرئيس الجديد، هنيئا لكم بالفوز في الانتخابات. أتمنى لكم التوفيق في مهامكم. لكن، أستسمحكم لأطالبكم بحق كل الأمهات الجزائريات في وضعية المرحومة والدتي.اليوم تمر سنة على وفاة والدتي. تغمدها اللّه وسائر موتى المؤمنين برحمته الواسعة. والدتي، سيدي الرئيس، كما هي أمهات كل الناس، عزيزات وغاليات، كيف لا وقد قال فيهن رسولنا الكريم صلى اللّه عليه وسلم ”الجنة تحت أقدام الأمهات”. لكن يحز نفسي أن الدولة الجزائرية- حكما بتجربة والدتي- قلبت تلك الجنة جحيما فوق رؤوسهن.والدتي، خدوجة عبيد، المغفور لها، كانت أرملة سعيد سكاي، رحمه اللّه، مواطن جزائري، تاجر بسيط منذ أيام الثورة، جاهد بالمال في سبيل الوطن، لكنه لم يحصل على أي منحة ورفض تماما أن يطالب بها.أمي توفيت قبل سنة عن عمر يناهز التاسعة والثمانين.. عمر يتمنى الكثيرون بلوغه. لكن فقط لو كان عمرا مفعما بالصحة والهناء. لكن للأسف لم تكن حياة أمي كذلك، لا لشيء سوى أن الدولة الجزائرية لم تقف جنبها في محنتها. كل راع مسؤول عن رعيته هو حديث آخر للنبي عليه الصلاة والسلام، لكنكم، سيدي الرئيس المنصرم، لم ترعوا أمي، وقد فات الأوان. لكن ماذا عنكم أيها الحاكم الجديد، هل سترعون الأمهات الجزائريات على قيد الحياة؟والدتي أنجبت تسعة أطفال، منهم ثلاثة معاقون جسديا. لقد لبَت حاجياتهم ومتطلبات البيت، وربتنا أحسن تربية في ظروف قاسية. وبالتالي هي مجاهدة بشكل أو آخر. لكن أي إنسان- امرأة أو رجل كان- يستطيع تولي أمر ثلاثة معاقين لوحده ودون أي إعانة من الدولة الراعية.. لا ماديا ولا معنويا؟أمي، سيدي الرئيس، أفنت صحتها في خدمة أبنائها المعاقين، حتى صارت نفسها معاقة طريحة الفراش لمدة ثماني سنوات، فخدمتها شقيقتي التي شاء القدر- الذي يخطط للإنسانية أحسن من مخططي الدولة الجزائرية لشعبها- أن طلقت وتكفلتها. هل مصير المعاق ووالي المعاق مرهون برحمة أفراد الأسرة، بعيدا عن مسؤولية الدولة الوظيفية والأخلاقية في رعاية الشيخوخة وذوي الاحتياجات الخاصة من مواطنيها؟لمَ هذا الإهمال التام واللاإنسانية من قِبل دولة غنية لدرجة تقدم المليارات لمنظمات دولية وتمحي ديون دول أجنبية، في حين أنها تهمل المعاق وأم أو زوجة المعاق؟سيدي الرئيس، لنقتدي بدولة الكويت الشقيقة، كانت بالأمس تمنح أكثر من ألف دولار أمريكي لأم أو زوجة المعاق، وها هي ضاعفت ذلك المرتب لأكثر من ألفي دولار منذ أيام. فهل الكويت أغنى من الجزائر، أم أن الراعي الكويتي أرحم على رعيته؟أين هم المساعدون الاجتماعيون من كل هذا لتلبية حاجيات هذه الفئة من المجتمع، ولتخفيف العبء عليهن ولو قليلا من حين لآخر؟ أعلمكم، سيدي الرئيس، أن حكومة آل الصباح قررت أيضا تخصيص أربعة مندوبين في كل محافظة من البلاد لمساعدة هذه النسوة. وإن كانت هكذا وظيفة موجودة رسميا في البلديات والدوائر الجزائرية، فاعلم أن شهريات هؤلاء ”ماهيش حلال عليهم”، لأنهم لا يؤدون أي خدمة. وإذا لم يوجدوا فها هي إذن أمامكم فرصة لخلق مناصب شغل كمساعدين أو مندوبين اجتماعيين أمام الجزائر، ربما ضمن ظاهرة لونساج.أمي أصابها الكهل والإعاقة. وشقيقتي التي ترعاها بالإضافة إلى إحدى الشقيقات المعاقة أصابها الإرهاق. أما أنا- الذي أعيش في الغربة- فقد أصبت بالدهشة لمدى إهمال سلطات وطني الأم لأمي وإخوتي المعاقين، كما أصبت أيضا بكآبة من شدة تأنيب ضميري لي لوجودي بعيدا عنهن، وهن بحاجة لكل مساعدة قد يحصلن عليها. فأوقفت حياتي في المهجر لأزورهن أسبوعا كل شهر على مرّ الثلاث سنوات الأخيرة من أجل الرأفة بهن قدر المستطاع. أو بعبارة أخرى، صرت أقوم بمهمة المساعد أو المساعدة الاجتماعية التي من المفروض أن توفرها دولة غنية مثل الجزائر لمواطنين في حال أسرتي.سيدي الرئيس، أنا وأمي وكل الأسرة حمدنا اللّه على الإعاقات الخلقية، فما كتبه اللّه نتقبله بصدر رحب، لكن إهمال الراعي المسؤول لرعيته هو الذي لم ولا نتفهمه ولا نتقبله.كانت أمي محظوظة من حيث إن وضعي المادي مريح فأرحتها ماديا، لكن هناك الآلاف وربما الملايين من الأمهات وزوجات معاقين في حالة أسوأ من أمي وأخواتي، وليس لديهن أي دخل لا من الوطن ولا من الخارج لشراء أدنى مستلزمات الحياة اليومية.سيدي الرئيس الجديد، أنا أعيش في بلد غربي متطور، لا يكترث حكامه كثيرا بصورة بلادهم في الخارج، بقدر ما يشغلهم هموم رعاياهم. وبالتالي، أستسمحكم في نصحكم أن لا تفكر في صورة الجزائر في الخارج على حساب الداخل، فاللّه لن يحاسبكم عن ظن فرنسا وبريطانيا وأمريكا فيكم، بل سيحكم عليكم بقدر تقديركم لرعاياك.إن علم النفس كشف أن الأم التي تنجب معاقا تتألم داخلها تلوم نفسها على الإعاقة حتى وإن كانت تؤمن بالقدر، وقد عاشت والدتي قلقة من عدم كفاءتها في تلبية حاجيات فلذات كبدها المعاقين، ورحلت وهي قلقة على مصيرهم، فهل ستريحونها في قبرها وتريح مثيلاتها بحذو حذو الكويت؟ 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات