المسلسلات المُدبلجة المصيدة الخفيّة لمنظومة القيّم المجتمعيّة

+ -

 المسلسلات المدبلجة عواصف تدخل بيوتنا في صمت رهيب، تخلخل منظومة القيم، وتعبث بعقول الأسرة صغيرها وكبيرها، نتغاضى عنها اعتقاد منا أنها تدخل البهجة والسرور في دواخلنا، غير آبهين بما تبثه من سموم في عقل كل فرد.طبقات المجتمع، نساء وأطفالا، كلهم يهدرون الساعات الطوال أمام شاشة التلفاز منبهرين بمظاهر الممثلين والممثلات، وهم يلبسون آخر صيحات الموضة من اللباس المغري الموحي بالتحضر والأناقة تسحرهم رؤية المعالم ذات البناء المعماري، والمناظر الخلابة لطبيعة مختلفة عن طبيعة بلادهم.المسلسلات المدبلجة ليست مجرد تسلية ومتعة فقط، بل هي سلوكات وذهنيات تتسلل إلى عقول أبنائنا وهم في طريق التشكل، هي أيضا منفذ خطير للكبار من النساء والرجال الذين يعانون فراغا عاطفيا أو ما شابه ذلك، فتسمح لعقولهم بممارسة وتقليد هذه السلوكات في مجتمع يرفع سيفا حادا في وجه كل أنواع الانحلال الخلقي، يدفعون بعدها ضريبة باهظة من الضياع تخترق قيم الأسرة وتعبث بمصيرها يحتل الأطفال فيها الضحية الأولى. هل هي شكل من أشكال الغزو الثقافي للمجتمعات العربية؟ كيف سيكون ملمح الأجيال التي تدمن على متابعتها؟ لماذا يتزايد أعداد المتابعين؟ ماذا سيستفيد الجماهير من ثقافة المسلسلات المدبلجة؟ وهل ما يفيده منها يتناسب مع قيمة الوقت المهدور في المتابعة، والتي تمتد أحياناً لأكثر من مائة حلقة؟ وما دورها في زيادة نسبة الانعزال والتوحد التي باتت تنتشر وسط الأسرة؟تساؤلات مشروعة في ظل تزايد هذه المسلسلات، وفي ظل الإقبال عليها من كل الفئات العمرية للمجتمع ”تؤثر على أعداد هائلة من الشباب، ذكورا وإناثا، وتخلق في نفوسهم ازدواجية بين ما يشاهدونه من جاذبية لهذه المسلسلات وبين ما يعيشونه على أرض واقعهم المرير؟؟!”.في زمن الانفجار المعرفي وتيسر مواقع التواصل والفضائيات التي ملأت الدنيا ضجيجا، يبقى المتلقي العادي ضحية تجارة رخيصة؛ تجارة صناعة الأفلام، ومسلسلات تدرّ على أصحابها ملايين الدولارات على حساب الوعي العربي وقيم المجتمع اللبنة التي تشد البنيان بعضه ببعض.للأمانة، أيضا، فالفراغ الفكري الذي تعانيه شرائح مجتمعاتنا جعلنا نستقبل هذه المسلسلات بكل حفاوة، مثل ضيف خبيث يرتدي ألبسة براقة نسمح له بالتسلل إلى بيوتنا ليبثّ سمومه بين عقول شبابنا وفتياتنا، في لقطات من صور الحب والغرام المحبوكة بعناية فائقة، ولو حذفت اللقطة ولا تلبث أن تنسى، فالفكرة هي من تسكن عقل المتلقّي، وهي أشد خطورة وفتكا مثل مصيدة خفية تثير غرائز في داخله بركان ثائر وهرمونات مجنونة.هل نستطيع الوقوف أمام هذا الطوفان الجارف المسلح بالمال والعتاد وعلماء النفس والاجتماع، الذين سقط ضميرهم في أوحال الرذيلة ولم يعد يهمهم إلا المزيد من كسب المال وبشتى الطرق؟ قدرتنا على مجابهتا خاسرة بكل تأكيد، والجواب على ذلك هو: إننا نحتاج لحملة توعية واسعة بين كل شرائح المجتمع، نمد لهم يد المساعدة، ونصنع لهم بديلا من المسلسلات الواقعية المخاطبة للعقل والوجدان، ستكون بإذن اللّه حصنا منيعا في وجه كل التحولات العالمية والتحديات الكبيرة والعواصف المجنونة التي تزحف نحو مجتمعاتنا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات