+ -

نظام ولا أذكى منه عبر العالم هو ذلك النظام السياسي الجزائري، فهو لم ينجح فقط في مراوغة الشعب الجزائري المغلوب على أمره، بل أطاح في شباكه بكبرى دول العالم.. طبعا هذا ليس غباء من هذه الأخيرة بل هو ذكاء منها للحفاظ على مصالحها ببقاء رئيس لا يزال يتنفس- والحمد للّه - ولا يهمّها إن كان على كرسي متحرك أو على فراش قد يفارق من تشبث بهفي أي لحظة. الكل يتذكر ذلك الجدل السياسي الذي وقعت فيه البلاد وقت إعلان نقل الرئيس بوتفليقة، صاحب الـ77 عاما، إلى مستشفى العسكري فال دوغراس بفرنسا، لتلقي العلاج بعد إصابته بنوبة إقفارية أقعدته على كرسي متحرك إلى يومنا هذا، حيث نادت آنذاك كل القوى السياسية الفاعلة في البلاد إلى ضرورة تطبيق المادة 88 من الدستور التي تقضي بما يلي: ”إذا استحال على رئيس الجمهورية أن يمارس مهامّه بسبب مرض خطير ومزمن يجتمع المجلس الدّستوري وجوبا، وبعد أن يتـثـبّـت من حقيقة هذا المانع بكلّ الوسائل الملائمة يقترح بالإجماع على البرلمان التّصريح بثبوت المانع، يعلن البرلمان، المنعقد بغرفتيه المجتمعتين معا، ثبوت المانع لرئيس الجمهورية بأغلبية ثلثي (2/3) أعضائه، ويكلّف بتولّي رئاسة الدّولة بالنيابة مدة أقصاها خمسة وأربعون (45) يوما، رئيس مجلس الأمة الذي يمارس صلاحياته مع مراعاة أحكام المادة 90 من الدّستور. وفي حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعون (45) يوما، يعلن الشغور بالاستقالة وجوبا حسب الإجراء المنصوص عليه في الفقرتين السابقتين وطبقا لأحكام الفقرات الآتية من هذه المادة”.وطبقا لهذه المادة، كان من المفروض أصلا أن لا نصل إلى انتخابات رئاسية يكون فيها عبد العزيز بوتفليقة مرشحا، كون أن المادة كانت صريحة، تتلخص في كلمة مرض خطير أو مزمن، بالإضافة إلى ما أشارت إليه في قولها ”في حالة استمرار المانع بعد انقضاء خمسة وأربعين يوما”، وعليه فإن المادة تبدو واضحة وضوح الشمس في ضوء النهار، غير أن دهاء هذا النظام مرر هذه الفترة بسلام بادعائه أن الرئيس تعرض إلى وعكة صحية ومن حقه كأي إنسان أخذ العلاج مع المدة المناسبة له، بذلك وضعت المعارضة في موضع المتسلل أو الداعي إلى الفوضى في البلاد.نظامنا الذكي ضحك على ذقون الجزائريين، وعلى ذقون الطبقة السياسية بإدارته للأزمة بطريقة قل ما يوجد إليها سبيل في باقي دول العالم؛ فقد استطاع نظامنا الذكي وضع الرأي العام الداخلي والدولي في صورة أن رئاسيات أفريل 2014 تكون فيها المنافسة شرسة بين رئيس مقعد على الكرسي لا ينشط حملته الانتخابية، ولا يقوى حتى على تهنئة شعبه عقب الفوز السحيق الذي حققه في الانتخابات الرئاسية الماضية، وبين خمسة مرشحين أعتقد جازما أنهم مدفوعون من قِبل النظام، طبعا بعد دفع أجر زهيد إزاء هذه الخدمة الجليلة التي فحواها هو خداع شعب مسكين لا يفقه في السياسية شيئا، هذا ليس ذنبه بل ذنب تلك الأحزاب السياسية التي أنشئت لغرض توعية الشعب سياسيا، لكن مع الأسف فتلك الأحزاب في حقيقة الأمر ولدت من رحم النظام حتى يعطي لها الشرعية في البقاء.أعلم أن غالبية أبناء وطني ظنوا أن السيد علي بن فليس هو معارض النظام، جاء من أجل تخليص هذه الأمة من مخالب فئة ”مافيوية” حكمت البلاد منذ الاستقلال، أما النتيجة هي أننا نتوجه إلى نفق مظلم طويل ليس له مخرج. أما السيد علي بن فليس فقد قدّم نفسه على أساس أنه منافس بوتفليقة، لكن الواقع عكس ذلك، في الأصل بن فليس أوتي به حتى يعطي قليلا من المصداقية لهذه الانتخابات، مع الجزم أن نتيجة الانتخابات معروفة عنده مسبقا، فقط لا نملك من القول سوى إنه ”ابن النظام”، وقس على ذلك باقي الأرانب التي ترشحت، وهي على يقين تام أن الرئيس بوتفليقة هو ”الملك” القادم على جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية التي ضحى من أجلها خيرة أبناء هذا الوطن.المؤسف أن هؤلاء لازالوا يستمرون في خداعهم ومكرهم، عقب كل التهديد والوعيد من السيد علي بن فليس من أنه لن يتنازل عن حقه في حالة ما زوّرت الانتخابات، ولن يسمح أن يسلب صوت الناخب الجزائري. أنا لم أر ذلك، ولست لا من دعاة الخراب ولا من دعاة الفوضى في الجزائر؛ دعوني فقط أذكركم بموقف بن فليس وهو يعلق على نسب المشاركة في الانتخابات، لم ألاحظ على ملامحه أدنى درجات الغضب أو التأثر، بل على العكس من ذلك، كان مبتسما شاكرا كل من ساعده في إنجاز مهمته الأولى التي أوكلت بها على أتم وجه، ولا يزال يستمر في مسرحيته بالإعلان عن إنشاء حزب سياسي حتى يستمر في خدمة النظام إلى آخر نفس من حياته. أما لويزة حنون فهي راضية بالنصيب ولو قليل، أضف إليهم السيد عبد العزيز بلعيد الذي كاد أن يفقد حياته فرحا بالمرتبة الثالثة، مع التعليق المحتشم لرباعين وموسى تواتي وهما يعرفان أنهما في ذلك المصير.ختاما من يظن أن نية المرشحين الخمسة في هذه الانتخابات الرئاسية هو منافسة الرئيس بوتفليقة على كرسي العرش فهو واهم كل الوهم، فكل ما شهدتموه من خلاف واحتقان سياسي وتنافس بين المرشحين وتبادل التهم والشتائم، ما هي إلا مسرحية مخرجوها وراء الستار لا يظهر إلا طيفهم، وفي أوقات ومناسبات محددة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات