38serv
بقي الروائي عمارة لخوص وفيّا لمواضيع صدام الثقافات والمهاجرين ومكانة الإسلام في أوروبا، فجاءت روايته الجديدة “نزاع حول خنزير إيطالي بسان سالفاريو”، بنفس روح السخرية التي عوّدنا عليها، وبنفس الأسلوب السردي المتدفق المليء بالإحالات على واقع متأزم جراء عدم القدرة على خلق لحظات تواصل طبيعية بين أجناس مختلفة تعج بها روايته الصادرة بالجزائر مترجمة من الإيطالية إلى الفرنسية عن منشورات “البرزخ”، وبفرنسا عن “أكت سود”. تدور أحداث رواية عمارة لخوص الجديدة التي كتبها بالإيطالية، على وقع تحقيق صحفي بحي “سان سالفاريو” الشعبي بـ”تورينو”، حيث يفقد مهاجر من النيجر خنزيره الصغير “جينو”، فيهيم ليلا بألوان فريق “يوفنتوس” التي يحملها على جسده، في شوارع الحي إلى أن ينتهي داخل مسجد المسلمين بشارع “غالياري”، الأمر الذي يحدث هرجا كبيرا في الحي، وتتحول الحادثة إلى قضية على حافة تفجير صراع حاد بين الجالية المسلمة والمتطرفين الإيطاليين الذين رفعوا الخنزير “جينو” إلى مصاف رمز وطني لإهانة المسلمين، فاغتنموا الفرصة لشن حرب شرسة ضد ديانة مختلفة، في مجتمع إيطالي يخاف من الأجانب، حتى وإن كانوا من بني جلدتهم مثلما كان عليه الحال في الخمسينيات عندما كان ينظر للعمال القادمين من الجنوب نظرة عنصرية. تحدث في الوقت نفسه جريمة قتل بعد العثور على جثث أربعة مهاجرين ألبان، وفي هذا الوقت يتواجد الصحفي المحقق “انزو لاغانا”، في مرسيليا منشغلا بتلبية حاجيات عشيقته الفنلندية “تاينا” التي ترافقه في هذه الرحلة الممتعة. ومن ميزة “انزو” أنه يعيش حياة العزوبية، ويعتبرها مفتاح السعادة، فيرفض العلاقات الدائمة حتى لا يسقط في الرتابة والشعور بالملل. كما يعاني من “الخوف من المرأة”، في وقت يعاني المجتمع الإيطالي برمته من “الخوف من الآخر”.وبينما ينعم “انزو” بالهدوء والكسل في مرسيليا، يختلق سبقا صحفيا، يبرر بواسطته رغبته في المكوث في “مرسيليا”، تحت دفء الشمس، لتجنب العودة إلى “تورينو” للتحقيق في جريمة القتل التي تعود تفاصيلها، حسب الأكذوبة التي صاغها لرئيس تحرير الجريدة “ماريتاني” التي يعمل بها، إلى وجود حرب عصابات بين عصابتين متناحرتين بتورينو من ألبانيا ورومانيا. يتخلص “انزو” من رئيس تحريره، للتمتع بشمس مرسيليا، لكن الأكذوبة الملفقة سرعان ما تتحول إلى مهزلة، عندما يقوم رئيس التحرير بنشر الخبر في الصفحة الأولى، فيظهر لاحقا أنه خبر ملفق.يعود “انزو” أخيرا إلى “تورينو”، ويشرع في التحقيق في قضية قتل المهاجرين الألبان، ومعه يكتشف القارئ الصراع بين الجاليتين الإسلامية والمسيحية بعد دخول الخنزير “جينو” مسجد المسلمين الذين اتهموا بعدم امتلاك القدرة على التأقلم مع المجتمع الإيطالي.جاءت رواية عمارة لخوص على شكل سرد يقوم على التناوب بين ثلاث قصص مركزية، (تدنيس المسجد من قبل الخنزير “جينو”، جريمة القتل، وعلاقة “انزو” بوالدته التي وظفت جاسوستين لمراقبـة تحركاته)، إضافة لقصص أخرى موازية تخدم برمتها الموضوع الرئيسي، وتعطي لرواية عمارة لخوص قوة سرديـة ومتعـة فريـدة وقـدرة علـى الاقـتراب مـن موضوع العنصرية في المجتمع الإيطالي، وعقدة الخوف من الآخر، والسلوكيات الهوياتية الضيقـة التي ترفـض ثقافـة الآخـر، وميل الصحافة الإيطالية إلى تأجيج الأوضاع، وخلق حالة من الاحتقان بين الإيطاليين والمهاجرين الأجانب، تصل إلى حد تحول اللاتسامح إلى سلوك يومي.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات