أعادت أحداث تيزي وزو الأحد الماضي إلى الأذهان نمط تعاطي السلطات مع المسيرات والمظاهرات التي كانت تنتظم كل سبت، موازاة مع اضطرابات “الربيع العربي”. وبعد فوز بوتفليقة بعهدة رابعة، تساؤلات عدة تطرح إزاء تعاطي السلطات مع الآتي من احتجاجات، خاصة في ظل التسويق لفكرة أن النظام اكتسب برئاسيات 17 أفريل شرعية جديدة وما يشبه “تفويضا” ممن قيل إنهم صوتوا على الاستقرار.تعود الجزائريون على نمط التعاطي الأمني من قبل السلطة الذي تتصاعد شدته وتتنازل حسب “الظروف”، لكن تساؤلات عدة رافقت أسلوب تعامل مصالح الأمن مع المسيرة التي كان يعتزم بها المواطنون بتيزي وزو احتفاء بذكرى الربيع الأمازيغي، تماما مثل تساؤلات حيال كيفية تعامل مصالح الأمن مع المسيرة المرتقبة اليوم بنفس الولاية، بينما يرى الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان بوجمعة غشير لـ “الخبر” أن “السلطة دائما تتعامل مع المسيرات والمظاهرات بعنف، وهو ما حدث بالنسبة لاحتجاجات الأساتذة والنقابات”. وبالنسبة للمواجهات التي دارت بين المواطنين وقوات الأمن بتيزي وزو الأحد الماضي، يعتبر المتحدث أن “القول إن الاعتداء على مواطنين فعل معزول أمر يفنده الواقع، بل إن ما حصل كان عملا ممنهجا يهدف أساسا إلى قمع كل المظاهرات وتخويف الناس من ممارسة حقهم في التظاهر”.ويسود اعتقاد بأن السلطة اكتسبت شرعية جديدة من خلال تفويض مُنح لبوتفليقة من قبل من صوت عليه في الانتخابات الرئاسية، وهذا التفويض استند على “الاستقرار”، لكن الحقوقي بوجمعة غشير لا يسلم بذلك بالمطلق حين يقول إن “الانتخابات جرت في ظل وعود معينة أطلقها ممثلو الرئيس، ومنها فتح المجال الديمقراطي الذي يفرض السماح بالمسيرات”، ويتابع “وبالتالي فإن فوز بوتفليقة بالانتخابات ليس معناه أنه حصل على صك على بياض، وإنما على أصوات وفقا لوعود معينة، فما عليه إذن إلا فتح المجال الديمقراطي، حيث إن أي إخلاف للوعود التي أطلقها قد تنتج حركات احتجاجية، خاصة بعد ظهور تنظيمات جديدة، وحتى من صوت عليه قد يخرج إلى الشارع للمطالبة بالوفاء بوعوده، كما أن الذين صوتوا مقابل الانتظار قد يتظاهرون حتى تتجسد الوعود”.ولا يختلف موقف كثيرا الحقوقي والنائب المستقيل من البرلمان مصطفى بوشاشي عن موقف بوجمعة غشير، عندما يقول لـ “الخبر” بخصوص الشرعية الجديدة التي اكتسبها بوتفليقة أو ما يطلق عليه البعض تفويضا، “لدي قناعة بأن الإخوة المشرفين على النظام يعرفون جيدا أن الاستحقاقات الانتخابية بما فيها الرئاسيات الأخيرة لا تعطيهم أي شرعية، فدائما كانت الانتخابات إما مزورة وإما موجهة، والشعب لم يعطهم أي وكالة حقيقية، وسيتعاملون مع الوضع على أن الشرعية التي اكتسبوها شرعية شكلية ولا يجب التعويل عليها”.ويعتبر بوشاشي أن “الحق في الاحتجاج والمطالبة بالحقوق عن طريق المسيرات السلمية حق مضمون دستوريا، لكم مع الأسف فالحكومة في كثير من الأحيان لا تحترم هذا الحق”، ويعتبر بوشاشي أن “مهمة مصالح الأمن تأمين المسيرات وليس قمعها، وأتمنى أن يكون ما حدث في الفترة الأخيرة درسا للحكومة وللمشرفين على المؤسسات الأمنية.. يجب على النظام أن يتعلم أن المظاهرات والمسيرات حق مكفول دستوريا”.وإذا كان هذا الحق مسلما لدى الحقوقي غشير أيضا، إلا أن الأخير ينتقد القول بمباشرة مصالح الأمن تحقيقات في تجاوزات أعوان شرطة أو ضباط أو محافظي الشرطة، مثلما حصل في تيزي وزو، عبر انتشار فيديو يظهر أعوانا يجرُّون شاب أرضا، ويقول “حسب الظروف تأمر السلطة بإجراء تحقيقات، لكننا لم نر لها أي أثر، وقد تُوقف بعض الضباط أو الأعوان لكن في قراراتها نفسها تمارس العنف بطريقة ممنهجة، كما أن النظام قد يتنازل عن بعض الممارسات في فترة ما كما حصل قبل الانتخابات، حيث واجهت السلطة حركة بركات بالعنف، لكنها هدأت نوعا ما بعد ضغط خارجي خاصة من الاتحاد الأوروبي، ولكن بمجرد أن انتهت الانتخابات عادت حليمة إلى عادتها القديمة”، ويتابع “أعتقد أن الناس لن يسكتوا مستقبلا، بدليل المسيرة التي ينتظر أن تشن اليوم بتيزي وزو ردا على تعامل السلطة مع مسيرة الأحد الماضي”.
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات