+ -

 كلام خافت بدأ هنا وهناك عن ملامح “العهدة الرابعة” التي يمكن أن تعلن في رسالة للرئيس بوتفليقة قريبا. وهذا أمر غريب، فقد يقول الرئيس ما لم يقله وكلاؤه في الحملة الانتخابية.ما هو الممكن والمستحيل في سلوك السلطة؟ينبغي أن ننطلق ليس فقط من مرض الرئيس، بل من مرض النظام المزمن وانسداده شبه الكامل، لهذا يمكن أن نرى “مبادرة” لتعديل الدستور. والكثير من الأخبار كانت قد أوردت أن “اللجنة التقنية” التي نصّبها عبد المالك سلال العام الماضي، تكون أنهت عملها وأن مقترحاتها سلمت للرئيس، ولسنا ندري بالضبط من أثر فيها أكثر، هل هو منطق السلطة ومنطق السلطوية التسلطية، إن صح التعبير، والقوى التي تستند لها وتتحالف معها، وهذا هو المرجح، أم منطق آخر؟ المستحيل أن “يفجر” الرئيس والسلطة “ثورة” سياسية دستورية وعدم الأخذ بموازين القوى التي فرضت “العهدة الرابعة”. وهناك حديث عن طرح تعديل للدستور، ينشئ منصب نائب الرئيس وفقط.  لهذا، من المستحيل أيضا أن تستجيب السلطة للمطالب السياسية المعبر عنها، خاصة إذا ما اتصلت بتغيير عميق في مصدر الشرعية، وفي تغيير ثوابت النظام وفي تغيير التحالفات القائمة، لأن ذلك مدعاة بنظرها لتهديد الاستقرار.لكن قد يمكن الحديث أيضا عن ضرورات ملحة مفروضة على السلطة، وهو ما عبرت عنه شخصيات سياسية هامة، ومنهم على الخصوص السيد مولود حمروش الذي ألح على أن “انسدادا سياسيا” استحكم في قمة الهرم، كما أن الهوة بينها وبين النخب، ومن كل التوجهات، وبينها وبين المواطنين اتسعت بشكل مقلق وبشكل مهدد بقوة لـ”الاستقرار”.انطلاقا من ذلك، فإنه لا يمكن أن يترك أمر تعديل الدستور للسلطة والرئيس. إنه مسألة جادة في مرحلة سياسية معقدة، ولأنها كذلك ينبغي على سلطة “الدولة العميقة” أن “تتحرر” من الانسداد الذي وصلته وينبغي أن تفكر مليا في المستقبل القريب قبل البعيد.السلطة ظهرت مهزوزة وقراراتها غير مبررة وخطابها رديء غير مقنع وتحالفاتها مصلحية واهية وغارقة في بحر من الفساد.  نعم، هذا التحالف القائم بين مكونات ما أسميته “منظومة الريع والفساد”، خطير على استقرار البلاد وهذه المنظومة فقيرة جدا، من حيث الشرعية والمصداقية ومن حيث قدرات من يتحدثون باسمها على الإقناع وعلى تكوين رؤية ذات بال بخصوص إدارة شؤون الدولة خارج منطق الريع والسطو عليه وخارج منطق السلطوية والعُصبية والجهوية. وهي أيضا، أي المنظومة، رديئة جدا وسمعة الكثير من أشخاصها دنيئة، بل إن أصابع الاتهام تتجه نحو الكثير منهم في قضايا فساد ضخمة أو ضخمة جدا. هذه السلطة فقدت وأفقدت الدولة أساس دورها ووظيفتها، أي وضع المعيار والقاعدة وفرض التقيد بهما على الكل. لكن الكل يعرف ويفهم أنه لم يعد هناك معيار لا للتجارة ولا للعمل الاقتصادي ولم يعد هناك معيار أو قاعدة حتى في اختيار وجوه السلطة الأساسية والأخطر غاب كل منطق في تصرفاتها وفي قراراتها. لقد أدخل هذا الحكم البلاد في فراغ أخلاقي خطير وفي فراغ سياسي مهول، ولم يعد له أي مرجعية.قد يكون من الناحية العملية مقبولا أن تكون العهدة الجديدة مجرد “وقت مستقطع”، وأن تكون تبعا لذلك “عهدة انتقالية”، وهو التعبير الذي ورد في رسالة الرئيس السابق اليمين زروال، لكن من دون سلطة انتقالية. ولكن العهدة الانتقالية في حاجة لترتيبات خاصة ولمنطق سياسي آخر ولآليات عمل أخرى تتجاوز الحكومة وتتجاوز “برنامج الرئيس!”، لتصل إلى “هبّة سياسية” تطلق مسارا سياسيا جديدا. هذه الصورة قد تعبّر أكثر عن رغبات تم التعبير عنها من قبل أطراف كثيرة، وهي أوضح في تدخلات الرئيس السابق زروال ورئيس الحكومة الأسبق حمروش. من الناحية السياسية،ن يمكن تسجيل أن خطاب أطراف سياسية كثيرة، بما في ذلك جبهة القوى الاشتراكية، اتجه إلى الدعوة إلى “التغيير” وإلى “التوافق الوطني” بل وحتى “الإجماع الوطني” عند البعض. نعم، البلاد تعيش انكسارا كليا لـ«الشرعية التاريخية” التي تحولت منذ أكثر من عشريتين إلى سلطوية رديئة وفاسدة، ولا بد من مسار سياسي يبني توافقا وطنيا جديدا على مشروع وطني مجدد. هل يمكن للسلطة ولـ«منظومة الريع والفساد” تمكين البلاد من بناء هذا التوافق الجديد؟ أنا متشائم ولا مؤشرات تدل على أن العصبة الحاكمة تستطيع تغليب مصلحة البلاد على سلطتها وعلى مصالحها. في كل الأحوال، مع علاج الرئيس لا بد من علاج للنظام السياسي برمته.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: