+ -

 وجوه جديدة وأسماء أخرى عادت من الماضي، وزراء يذهبون وآخرون يعودون، مثل أي ساكن لبيت مؤجر، يتركه لأنه اشترى بيتا آخر، بل إنه عند انتهاء مدة الإيجار يحاسبك صاحب البيت إن أحدثت أي خرق في العقد أو تغيير في البيت أو أضررت به.. في الجزائر سيان بين القادم والذاهب، مجرد أسماء توضع على برنامج معد مسبقا من طرف من يسعون بكل الطرق للاستفادة من غفلتنا إلى أقصى درجة ويوهموننا بالفتات، بينما بلادنا كنز تحت الأرض وفوق الأرض. يشبه قبول هؤلاء الوزراء مهامهم، التأشير على تلك الشروط التي نقرأها عند إدخال أي برنامج على جهاز الحاسوب، ولا نفهم منها شيئا، فنؤشر نعم وانتهى، فقط ليشتغل البرنامج، دون فهم تبعات موافقتها أو لا يهمنا ما يترتب عن تشغيله..          في الجزائر تذهب حكومة وتطل حكومة أخرى و”الخير يجيب ربي”. الوضع على حاله منذ 15 سنة، والسؤال ما جدوى تغيير الحكومات، أم هي إضافة أسماء أخرى لقائمة المستوزرين الذين سيحتفظون بعد رحيلهم بامتيازات الوزارة، لا من يحاسبهم ولا من يعيد مراجعة إنجازاتهم وإخفاقاتهم، وأين صرفوا أموال الأمة؟ وكيف تعاملوا معها؟ وإلى أي وجهة ذهبت؟ وفي أي اتجاه ساروا بالوطن؟ سنصل بهذه السياسة العرجاء ”البريكولاج” بعد سنوات من تولي فخامته إلى أن يصبح نصف من هم ”الفوق” أو كلهم بأبنائهم وأحفادهم وزوجاتهم وحمواتهم، وزراء، أضف إليهم كل من صفّق وهلّل.. وسنغير اسم الجزائر من بلد المليون ونصف المليون شهيد، إلى بلد المليون ونصف المليون وزير، ومع تعدد الوزارات، الأكيد ستتعدد وتتنوع الوعود التي لو أحصيناها لفاقت المليون، وستتعدد أساليب وطرق صرف المال العام، كل حسب ذكائه وطريقته في ”حلب البقرة”. وسنصبح بلد المليون ونصف المليون مشروع المصطفة على الرفوف.. والمليون ونصف المليون قضية فساد مازالت تراوح مكانها في المحاكم.. والمليون ونصف المليون حفرة في الطريق.. والمليون ونصف المليون مشروع صغير لـ”لونساج” لم يتم متابعته ومرافقته.. والمليون ونصف المليون دين تم مسحه.. وبلد المليون مطلوب من طرف الأنتربول.. وسنصبح عن قريب بلد المليون خيبة وخيبة.  إن سياسة هذا النظام البائس هو امتصاص كل طاقة حية وناشطة ونزيهة.. امتصاص الغضب.. امتصاص الرغبة في التغيير.. امتصاص الأفكار والتصورات وتحويلها وتدويرها وتمييعها وإدخالها في دائرته وتشويهها واستنزافها شعبيا.. يشبه عمله الزوبعة البحرية التي تأخذ كل شيء في محيطها.. إن الحكومة الحالية ما هي إلا استمرار في سياسة الحكم عن طريق الولاءات الجهوية والعشائرية التي كرسها النظام طيلة 15 سنة، وسئم منها الشعب الجزائري، لأنها ستزيد الهوة وستوسع دائرة المعارضة والمقاطعة والفئة الناقمة، لأن معيار الانتقاء والاختيار مازال يتحكم فيه مفهوم الخدمة التي يؤديها كل طرف للرئيس ومحيط الرئيس. إن النظام الجزائري الذي يتمسك بالبقاء بأسنانه ويديه وبكل ما أوتي من قوة، هو في حالة تشتت، وقبوله بتنصيب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رغم حالته الصحية دليل على ذلك، إنه يدق آخر مسمار في نعشه، وفزّاعة الأمن والأمان والاستقرار والاستمرارية ستنقلب عليه، وكل الوعود التي أطلقها ستكون قريبا جدا كالحبل الذي يلفه على رقبته.. إن أمام النظام بعد هذه الخطوة خيار واحد لا ثاني ولا ثالث له، وهو: إما أن يدخل في إصلاحات حقيقية تخرج الجزائر من فوضى الريع والنهب واللاعقاب، ويضع أسس دولة المؤسسات ويسمح للمعارضة الحقيقية بالظهور وأخذ مواقعها وبالأصوات النزيهة أن ترتفع والأيادي النظيفة أن تعمل، ويفي بوعوده في التغيير الحقيقي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.. وإما فإنه سيدخل دوامة الفوضى الحقيقية التي لن تكون ربيعا فقط، بل ربيعا وشتاء وخريفا وصيفا.. وعلى النظام أن يختار إما الإصلاح الحقيقي أو اللااستقرار، لأن اللعبة الآن في يد الذين صمتوا طويلا لم يدخلوا في لعبة النظام ولم يصوتوا ضده ولا معه هم المنتظرون والصامتون لأجل الجزائر.. وعليه إما أن يستجيب بإرادته، أو سيكون مجبرا مستقبلا على الاستجابة وربما على دفع ثمن تعنته واستهزائه بالشعب الجزائري غاليا جدا..

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: