+ -

 إن الذي تتعرّض له أمة العرب اليوم من تدمير لا كاد يصدقه عاقل؛ فعندما يأمر حاكم بقصــف مدن بلاده بالصواريخ والبراميل المتفجرة ويضرب مواطني بلده بالأسلحة الكيمياوية، هي جرائم ظن العقلاء في هذا العالم أنها انتهت واختفت مثلما اختفت كثير من الأوبئة الفتاكة، لأن الذي يقترفها بهذه الصورة عدو للإنسانية، لا يقل خطورة عن أي وباء فتاك.وفي هذا الصدد ينبغي أن نؤكد على مسألة ذات أهمية قصوى، ألا وهي أن كل من يحمي أو يدعم تحت أي ذريعة أمثال هؤلاء الحكام إنما هو شريك في الجريمة. كتلك التي يتعرض لها الشعب السوري منذ سنوات. إنها جريمة لا يمكن وصفها إلا بالإبادة الجماعية، يقوم بها نظام بشار الذي لا يقل دموية عن هتلر وستالين.لكن ينبغي أن نشير إلى أن بشار الأسد ما كان ليقترف ويستمر في اقتراف جرائمه التي لا يمكن إلا تصنيفها في خانة جرائم الإبادة الجماعية لو لم يجد الدعم والمساندة من قوى إقليمية ودولية مصابة بجرثومة الاستبداد. وبصمت من قوى ترفع لواء الحرية ظاهريا، بينما هي في حقيقتها قوى لم تعد تهتم حقيقة بمبدأ الحرية بقدر اهتمامها بمصالحها الذاتية بصورة تجاوزت المعقول، وإلا ما كانت لتسمح باستمرار مجازر بشار الأسد الذي تجاوز كل الحدود حينما استعمل السلاح الكيمياوي والقنابل العنقودية المحظورة دوليا. وتغضّ الطرف عمّا حدث في مصر من انقلاب ضد رئيس شرعي، وتنساق وراء مزاعم ومغالطات قائلة إن إزاحة الرئيس المنتخب كان نتيجة ثورة شعبية! ثم تسكت عمّا يُقترَف من فظائع تضرب حقوق الإنسان في الصميم.وبتعبير آخر إذا كان الشعب السـوري يتعرّض للتصفية الجسدية فإن الشعب المصري يتعرّض بدوره للاغتيال الروحي، على يد من انقلبوا على إرادته الحرة. فحينما تتحوّل مراكز الاعتقال والحجز إلى غرف للتعذيب الجسدي والنفسي والاغتصاب الجنسي، ويتم اعتقال الشباب الجامعي ويزجّ به في السجون ويفصل المئات منهم، وتمارس المهازل السياسية كأن يعتقل طفل غير مميز بسبب رسمه على مسطرته إشارة رابعة! وأن تختار راقصة في مقصف كأحسن أمّ! وأن تمتد المهازل لتطال الجانب الديني كأن يدعو أحد المفتين إلى قتل فئة من الشعب المصري عرفت بدعوتها إلى دين اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة، حيث استعمل هذا المفتي ذو النزعة الفاشية عبارات تقطر حقدا وكراهية كقولـه “اضرب في المليان”، موجها كلامه هذا إلى قوات الأمن والجيش كي تطلق النار على المواطنين المحتجين سلميا، وهو أمر يعدّ تحريضا على القتل، وكقوله أيضا في هذه الفئة “طوبى لمن قاتلهم وقتلوه”! وقول أحد من أمثاله بأنهم “كلاب ضالة”! فلنا أن نتساءل هل يجوز لرجل دين أن يتلفظ بمثل هذا الكلام في حق فئة، يبيت بعضهم راكعا ساجدا للّه. فأي بؤس هذا الذي حلّ بهؤلاء القوم؟إن استمر الوضع في مصر بيد أمثال هؤلاء فلن يكون غريبا بتاتا أن نسمع يوما أن منصب شيخ الأزهر قد تم بيعه لأحد الباباوات. بالمختصر المفيد يمكن القول إن ما يحدث للشعب المصري اليوم إنما هو مجزرة روحية ومعنوية هدفها البعيد سلخه عن هويته بدايتها كانـت الانقلاب على إرادته، في محاولة لبعث مجتمع الأسياد والعبيد. الذي تم التعبير عنه بصريح العبارة في قولهم “إحنا شعب وانتو شعب”. وقولهم “ثورة”، على الرغم من كل الشواهد التي تظهر كل يوم كإعادة الاعتبار لرموز نظام الرئيس المطاح به، والزجّ برموز شباب الثورة في السجون. أما آخر المهازل بالمعنيين السياسي والقانوني اعتبار جماعة الأخوان المسلمين “جماعة إرهابية” بمقتضى “أمر استعجالي”! أما الأعمال التي تقترف في حق الشعب المصري ويهتز لها الضمير فهي تدمير البيوت التي بناها الغلابة من دمائهم في سيناء بالصواريخ والمدفعية، وقطع أشجار الزيتون وإتلاف المزروعات بدعوى محاربة الإرهاب الذي تسبب في ظهوره الانقلابيون أنفسهم! ويعملون على إحداث فجوة بين الجماهيــر وبين الجيش الذي انخرط بأمر من قيادته العليا في نسف ما بناه الغلابة وإتلاف ما سقوه بعرقهم، وهو عمل لا يختلف عما يقوم به الاحتلال الصهيوني في فلسطين، ولا ينمّ سوى عمّا يضمره المستبدون من كراهية عمياء تجاه شعوبهم التي ترفض الخنوع والخضوع للاستعباد. ومع ذلك ها هو قائدهم مصرّ يدغدغ عواطف الشعب في كثير من تصريحاته كقوله “مصر شابة” و«نحن نحمي إرادة الناس”، محاولا الضحك على جماهير هذا الشعب الطيب، بغرض بناء مجد مزيف على حساب الشرفاء من أبنائه. ثم ها هو أخيرا يبدي حسرته على أن الولايات المتحدة لم تحتل ليبيا. ليتحوّل القضاء إلى أداة للقمع، يندى لها الجبين وتشمئز منها ضمائر الأحرار في العالم.وما يصدم شرفاء هذه الأمة أكثر أن يتم التآمر على أهم مقوّمات هويتها، بانسياق حكومات دول في المنطقة وراء هؤلاء المتآمرين، بأن تحوّلت إلى عصا بيد الذين باعوا أنفسهم للشيطان، فإن ذلك لا يعدو إلا أن يكون عاملا أساسيا في امتلاء صدور شعوبها غيظا، لا ريب أنه سوف يتحوّل إلى حقد، ثم إلى انفجار كالبركان[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات