تميل السلطة، من خلال وثيقة الأرضية التي أرسلتها، أمس، إلى الأحزاب السياسية بغرض المشاورات حول مراجعة الدستور، أكثر إلى التغيير الجزئي وليس العميق للدستور الحالي. وتؤشر المقترحات التي وردت في الوثيقة إلى أن السلطة لا تريد المساس بالتوازنات الأساسية للسلطات وترغب فقط اللعب في مساحة تحريك جانب من الحقوق والحريات الفردية والجماعية. فهل أرادت السلطة بذلك بعث رسالة لشركائها بأنها تعوّل على مساهماتهم لإثراء الدستور، تماشيا مع دعوتها لـ«التوافق “؟ أم أنها رسمت طريقها في التعديل؟تفاجأ العديد من قادة الأحزاب، الذين اتصلت بهم “الخبر”، في أول رد فعل حول المراسلة التي وصلتهم من رئاسة الجمهورية، لشحّ المعطيات الواردة في وثيقة الأرضية التي جمعتها السلطة، من خلال لجنتي بن صالح وعزوز كردون، بشأن المشاورات حول التعديلات الدستورية، حيث لم تأت الوثيقة التي جاءت في حوالي 16 صفحة بعنوان “اقتراحات تتعلق بالتعديل الدستوري”، وحصلت “الخبر” على نسخة منها، بأي شيء يوحي بأن السلطة ترغب حقا في إدخال تعديلات جوهرية على منظومة الحكم وتكريس مزيد من الانفتاح. ومع ذلك قال رئيس الجبهة الوطنية، موسى تواتي، إن حزبه سيرفض “الكرسي الشاغر”، وسيذهب إلى المشاورات بإعداد وثيقته ينقل فيها رؤيته وعدم ترك المجال مفتوحا أمام الذين، كما قال، “فعلوا ما أرادوا طيلة 52 سنة”، واقترح تغيير ديباجة الدستور باعتماد “المصالحة الوطنية” على أنها من الثوابت الوطنية، وهو ردّ على المطالب الداعية إلى ترقيتها.وتظهر المقترحات الجديدة المدرجة في الوثيقة على بعض مواد الدستور الحالي أن السلطة تريد الحفاظ على الهيكل العام للدستور، دون المساس بالنظام الرئاسي أو شبه الرئاسي المكرّس حاليا، والإبقاء على السلطة التنفيذية برأس واحدة، يمثلها رئيس الجمهورية والإبقاء على منصب الوزير الأول وليس العودة إلى رئيس الحكومة. وفي الوقت الذي تحدثت الأحزاب عن هيمنة مؤسسة الرئاسة على كامل الصلاحيات، ما اقترح في وثيقة الرئاسة بشأن إعادة توزيع للصلاحيات، وإعادة بعض الصلاحيات للوزير الأول وليس رئيس الحكومة، فإنه يمكن أن يتلقى من رئيس الجمهورية، ضمن الحدود التي يضعها الدستور، تفويضا لممارسة السلطة التنظيمية. كما اقترح بشأن شروط الترشح للرئاسيات، زيادة على الشروط السابقة، أنه للترشح للرئاسة إثبات الجنسية الجزائرية الأصلية لوالديه وأن يدين بالإسلام ويثبت أن زوجه يتمتع بالجنسية الجزائرية الأصلية فقط. كما اقترح منع انسحاب المرشح للرئاسيات من السباق بعد إيداعه ملف ترشحه بالمجلس الدستوري، إلا في حالة الوفاة أو حصول مانع قانوني له يثبته المجلس الدستوري قانونا.وبشأن المادة 74 التي عدّلها رئيس الجمهورية في 2008 والخاصة بالعهدات، اقترحت اقتراحات الرئاسة العودة إلى الوضع السابق في دستور 96 بتحديد العهدات لمدة 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، فلماذا فتحت من قِبل بوتفليقة؟ ولماذا يراد اليوم العودة إلى تحديدها بعدما مكث الرئيس في الحكم لأكثر من 15 سنة؟وحاولت مقترحات السلطة أن تلعب في المجال المخصص للحريات والحقوق، وهي المعطيات التي كانت محل إطلاق النار من قِبل المجتمع المدني والحقوقيين إزاء التضييق الممارس من قِبل السلطة، ولذلك أدخلت بعض المصطلحات والإجراءات رغم محدوديتها لإرضاء النشطاء والحقوقيين في الداخل والخارج، على اقتراحات لتفعيل محاربة الفساد بمصادرة الأملاك المكتسبة بالرشوة، واعتماد مبدأ المناصفة في تمثيل المرأة في المؤسسات المنتخبة كغاية قصوى، بعدما كان الحديث عن الترقية وحرية ممارسة الشعائر الدينية مضمونة في نطاق احترام القانون وحرية التجمع والتظاهر وحرية الصحافة مضمونة لكن بقانون عضوي يحدد كيفية ممارستها، وتحسين ظروف الحبس بتكريس يجب أن يعلم الشخص الذي يوقف للنظر بحقه في الاتصال فورا بأسرته.توسيع تشكيلة المجلس الدستوري وتمكين النواب من حق الإخطاروردّا على الانتقادات التي ظلّت تلاحق البرلمان بكونه مجرد غرفة تسجيل وهيمنة السلطة التنفيذية عليه، اقترح في وثيقة الرئاسة توسيع صلاحية البرلمان من خلال اقتراع مادة 99 مكرر “يخصص المجلس الشعبي الوطني جلسة، في كل دورة لمراقبة عمل الحكومة بحضور الوزير الأول، مع الإبقاء على المادة 84 بشأن عرض الحكومة سنويا لبيان السياسة العامة”، ما يعني أن الوزير الأول مسؤول أمام الرئيس والبرلمان معا.وكاستجابة لمطالب المعارضة التي هددت مرارا بالانسحاب من البرلمان لعدم جدواه، اقترحت الوثيقة بشأن تقوية المعارضة، ما ورد في المادة 99 مكرر1 التي تنص “تخصص كل غرفة من غرفتي البرلمان جلسة شهريا، لمناقشة جدول الأعمال الذي تعرضه مجموعة برلمانية من المعارضة”. وردّا على مصاريف النواب وغياباتهم على الجلسات أريد إدخال نوع من الردع قصد وقف غيابات النواب بتكريس الحضور الفعلي لأعمال البرلمان، ويكون تطبيق ذلك على القانون العضوي. وتلبية لرغبة زعيمة حزب العمال اقترح منع التجوال السياسي، من خلال تجريد المادة 100 مكرر للعهدة البرلمانية للنائب الذي يغيّر خلال عهدته الانتماء السياسي. كما اقترح تعديل تاريخ بداية الفترة التشريعية إلى اليوم 15 الموالي لتاريخ إعلان المجلس الدستوري وليس العاشر حاليا، ويحقّ للبرلمان إنشاء لجان إعلامية مؤقتة من النواب عبر الولايات.وبعدما ظل مجلس الأمة منذ نشأته الأولى لا يحق له المبادرة بالقوانين، اقترحت الوثيقة تمكين مجلس الأمة من حق اقتراح القوانين، بعدما كان الأمر مقتصرا على المجلس الشعبي الوطني، رغم تحديد مجال ذلك في التنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإداري. وتبدأ المناقشة في مجلس الأمة أولا ثم الغرفة السفلى، كما أعطى حق استجواب البرلمان للحكومة أو طرح أسئلة شفوية والرد عليها في أجل 20 يوما بعدما كانت مفتوحة، لكن رغم ذلك أبقت الوثيقة على صلاحية تشريع الرئيس بالأوامر ما بين دورتي البرلمان أو في حالة شغوره.السلطة القضائية تعززت بتمكين القاضي من إخطار المجلس الأعلى للقضاء في حالة تعرض للضغوط، وتم رفع تركيبة المجلس الدستوري إلى 12 عضوا، بعدما كان 9، يعيّن الرئيس منهم أربعة، منهم الرئيس ونائبه. كما اقترح أن تكون عهدة رئيس المجلس الدستوري ونائبه عهدة واحدة مدتها 8 سنوات، ويتم تجديد نصف أعضائه كل 4 سنوات، مع اشتراط في العضوية سن 45 سنة ما فوق والشهادة الجامعية وخبرة 20 سنة وشغل وظيفة عليا في الدولة أو منتخبين في البرلمان على الأقل، ويؤدي أعضاؤه اليمين أمام رئيس الجمهورية قبل مباشرة مهامهم. ووسّع الإخطار ليشمل زيادة على الرئيس ورئيسى غرفتي البرلمان الوزير الأول، وكذا 70 نائبا أو 40 عضوا في مجلس الأمة.لكن تبقى كل هذه الاقتراحات مجرد “تغييرات جزئية” بعيدة عن إعادة التوازن في الصلاحيات ما بين المؤسسات الدستورية وتبقي على مؤسسة الرئاسة مهيمنة وبعيدة عن الحساب، فهل ستفتح المشاورات مع الأحزاب المجال لسد هذه الاختلالات في مواقع صنع القرار؟ أم أن السلطة تريد “دستور مرحلة على المقاس”، كما جرت عليه الأحوال منذ الاستقلال؟الجزائر: ح. سليمان
مقال مؤرشف
هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.
تسجيل الدخول باقة الاشتراكات