+ -

هناك في ما يتراءى أمامنا اليوم رؤيتان لحال البلاد وما تعيشه من انسداد ومن دوران في حلقة مفرغة. الحكم القائم مزهو بـ”انتصاراته” على باقي عصب السلطة وعلى كل الجزائريين وهو يظهر عدم اكتراث بالانسداد ولا شرعيته، من ناحية أخرى هناك حراك متعدد الأشكال، مازال غير ذي فعالية، يدعو لبداية جديدة، لثورة على الواقع وعلى آليات عمل السلطة وبناء جمهورية أخرى من خلال فتح الباب لقيام إجماع وطني جديد يجدد المشروع الوطني ويستكمله.من قراءة المقترح، الرديء في شكله ولغته ومضمونه، نصل إلى الخلاصة الأساسية التالية: الحكم القائم مُصرّ على إبقاء البلاد في منطق دستور 2008 ولا يرى ضرورة لا للتغيير ولا حتى للعودة إلى منطق دستور 1996، ولم ير، في مقترحه لما ينبغي تعديله، أي داعٍ للبحث عن ترتيب مؤسساتي جديد ولا عن فصل حقيقي وعملي بين السلطات ولا عن منطق وآليات عمل جديدة في إدارة مؤسسات الدولة. فما عدا العودة لتحديد العهدات وبعض الجوانب الإجرائية، ولو كانت إيجابية، لا شيء يبرر الحديث عن تعديل حقيقي للدستور.ومنطقيا لا يمكن أن نستبعد أن ما قدم على سبيل الاسترشاد، كما تقول رسالة أحمد أويحيى، سيجد من يتولى الدفاع عنه واعتباره ”الحق الذي لا حق بعده” وأنه الممكن الوحيد الذي يضمن ”الاستقرار!” ويحمي مصلحة الجزائر!عمليا، يمكن القول إننا نعيش هيمنة واستبداد مكتمل الأركان. سلطة مطلقة وبلا رقيب ولا حسيب ومؤسسات ومجتمع مُقيّد وممارسات تجعله عاطلا ولا يستطيع إنتاج بديل. السلطة تفتقد للحلول وللجدية والكفاءة والإرادة، وهي تصر على العمل بمنطق سلطوي غير سياسي، وجسدت ذلك في ”الاعتداء” على الدستور في 2008 وإقامة نظام ”رئاسوي” كما يقول بعض الدستوريين، نظام ينحاز، بشكل ديكتاتوري، للسلطة التنفيذية ويقيد تقييدا خانقا كل سلطة أخرى، تشريعية وقضائية، بل ويعطلها تعطيلا كاملا. من الناحية السياسية العملية واضح أن الحكم يريد إفراغ المطالب السياسية للأحزاب وللشخصيات الوطنية، وهو ككل مرة يضع نفسه خصما وحكما. فالسيد أويحيى يقول في رسالته للأحزاب إنه سيتصل بمن وجه لهم الدعوة لتحديد موعد للاستماع لـ”تعليقاتكم واقتراحاتكم الخاصة”. وواضح أن الذي يتولى ”ترجمة” مقترحات من سيشاركون هي ”رئاسة الجمهورية”.إن الهامش الذي ”تحركت” فيه مقترحات الرئاسة ضيق جدا ولا يحمل أي رؤية سياسية جديدة ولم يظهر أي جدية في الاستجابة للتطلعات المعبّر عنها من أطراف سياسية واجتماعية كثيرة. لهذا فالتقدير يميل إلى أنه مهما كانت قوة مقترحات الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية ومهما كان صوابها، فإن منطق السلطة يحتم عليها التعنت في الاقتصار على المجال الذي حددته أو أوحت به فقط.ولا يمكن منطقيا أن تساير أي مقترح يخرج عن منطق دستور 2008 وعن المنطق السلطوي الرئاسوي. فأحزابها والأحزب الأخرى والجمعيات الدائرة في فلكها سوف تسخر للدفاع عن ”الرؤية” ولانتقاد كل الذين لا يتفقون مع مقترحاتها واتهامها بألوان من التهم. وفي كل الأحوال، الساحة السياسية حاليا في حال من الضعف ومن التشرذم وفي حال من العجز عن التوافق على أي جهد مشترك من أجل تشكيل ثقل سياسي فاعل. والأمل هو في حدوث توافق سياسي واسع بين مختلف القوى السياسية خارج منطق الحكم القائم.طبعا، لا يمكن تصور أن ”الصيغة” التي اختارتها الرئاسة لإدارة ”ورشة تعديل الدستور” اختيرت بغرض قيام توافق سياسي وطني واسع، لأنها لا ترى أن البلاد في حاجة لهذا التوافق، لذلك ستنتهي لفرض ما تراه الأنسب الآن لها أولا، وأن ما يناسب الجزائر في هذا القرن وفي هذا العالم  وفي هذه المنطقة عليه أن ينتظر زمنا آخر.لهذا فنحن في زمن البحث عن بداية أخرى عن جمهورية أخرى عن نظام آخر وعن مشروع وطني متجدد ومجدد وعما يعطي البلاد ما ينبغي لها من مؤسسات حديثة وما ينبغي لها من ترتيب لعلاقة أخرى بين المؤسسات وعلاقة أخرى مع الجزائريين، تأخذ بعين الاعتبار مصلحتهم وتأخذ منهم شرعيتها ولا تفرض عليهم بديكتاتورية رؤية المصالح التي تتحالف معها. الحكم القائم يرفض بشكل واضح أي تغيير سياسي سلمي، لهذا من الأفضل أن يترك هذا الحكم لنفسه وحيدا يحاور نفسه ومريديه وزبائنه، لأن ذلك هو الحل الوحيد لعدم تزكية منطق فاسد عاطل ومنتهي الصلاحية وضار بمستقبل البلاد ومصالحها العليا[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: