+ -

 بالمصادقة على قرار مجلس الأمن رقم 2152، الذي يجب التأكيد على أنه تجاهل تماما من جهة نداءات الاستغاثة المتكررة لسكان المناطق المحتلة للجهورية العربية الصحراوية الديمقراطية ولمنظمات حقوق الإنسان من أجل إدراج عهدة بعثة الأمم المتحدة للدفاع عن حقوق الشعب الصحراوي في مواجهة الاحتلال المغربي، ومن جهة أخرى، أمل الشعب الصحراوي في الحفاظ على ثرواته من النهب، بوسعنا القول إن ما اتفق على تسميته تعسفا بمسار السلام في الصحراء الغرب قد عاش.لم يعد من الآن وصاعدا مجرد شعار أجوف، ولا خدعة كلامية لا تقنع أحدا. فالمغرب الذي يستند أكثر من الصحراويين على حقيقة وطبيعة العلاقات الدولية، قد عرف كيف يستغل لمصلحة سذاجتنا والثقة المبالغ فيها وغير المبررة، التي وضعناها في بعض القوى الغربية والمنظمات الدولية لمساعدتنا في استعادة حقوقنا.وعن طريق إقناع حلفائه التقليديين، خاصة فرنسا وإسبانيا، أن تنظيم استفتاء في الصحراء الغربية سيؤدي لا محالة إلى زعزعة كلية للمملكة، فقد نجح تدريجيا، بواسطة الدعم النشط لهذين البلدين، في تفريغ مخطط السلام من مضمونه، عن طريق اختزاله في بند وقف القتال وحده.ولم يكتف بعد ذلك باختبار القوة، وإن كان قد اعتبر حاسما، إذ استثمر طاقته ووسائله لاستبدال مخطط السلام الأممي، الذي يقوم على حق الشعب الصحراوي، الذي لا يخضع للتقادم، فينبغي أن يمنحه، تقرير مصيره، والذي ينبغي أن يمنحه، إن لم يتم التعامل مع الأمر بحذر، من بين عدة مزيا أخرى، الإمكانية الهائلة لـ«خروج قانوني عن الشرعية”. تدريجيا وبشكل خطير، في قرارات المنظمات الدولية، لاسيما منظمات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن تنظيم استفتاء تقرير مصير شعب الصحراء الغربية يبدو أنه لم يعد هدفا ذا أولوية، كما كان سنة 1991، بالنسبة لجهود المجتمع الدولي.وعليه، فلم يعد الأمر في أدبيات المنظمات الدولية مجرد مسألة “حل مقبول من الطرفين”. ما يبعث على الاعتقاد بوضوح أن الجلاد والضحية صارا من الآن وصاعدا على قدم المساواة، بطريقة لا تمييز فيها، مثل “طرفي النزاع”. وعليه، فإن انشغال المجتمع الدولي لم يعد يتمثل في محاولة فرض القانون، وإنما في التنسيق مع قانون القوة الذي يعتمد عليه المحتل المغربي. بمعنى آخر، لم يعد واردا حمل المحتل المغربي على الانخراط في مسار القضاء على الاستعمار، وإنما حمل “الطرفين (جبهة البوليساريو والمملكة العلوية) على إيجاد” اتفاق مرضٍ”.وبما أنه هذه المساعي تندرج ضمن إطار العلاقات الدولية، فإن من الأسهل على المجتمع الدولي أو بشكل أدق على فرنسا، “القوة المغاربية” أن تجبر الضحية، أي الشعب الصحراوي، على عدم الشكوى من معاملة جلاده وأن يقبل، من أجل استقرار ودوام المملكة، ما يتفضل عليه به جلاده المغربي. والمسار “القانوني” من أجل التسوية “القانونية”، وكل هذا هي مفاوضات مزعومة “زائفة” و«عقيمة” في آن واحد. لقد آن الأوان أن نجهر بالقول بأن هذه الخدعة قد طالت أكثر مما ينبغي.على الصحراويين أن يدركوا، من الآن وصاعدا، أن مستقبلهم وفرصتهم في أن يعيشوا يوما بحرية وكرامة، في منطقة الشمال الغربي لإفريقيا، يعتمدان على قدرتهم على التجند لفرض دولتهم الوطنية على امتداد إقليمهم. وفي ما عدا هذه الإمكانية، فلا سلام لهم ولا لأبنائهم. ولتحقيق هذا الرهان الحيوي، ينبغي عليهم أن يتخذوا مسارات أخرى غير التي انتهجوها منذ 1991، ويغيّروا طريقة أدائهم السياسي، ومنح الأولوية للشباب والاستثمار في تشييد وتعزيز المؤسسات الوطنية، وهي الوحيدة التي من شأنها تمكينهم من إنجاز ما ينبغي أن يكون هدفهم والوحيد والأوحد: ألا وهو استقلال بلدهم. إذن، هل الصحراويون مستعدون لأخذ هذه الانعطافة؟ وسواء أشاءوا أم أبوا، فإن مستقبلهم ومستقبل أبنائهم يقتضي دفع هذا الثمن.إذن علينا أن لا ننسى أبدا أنه منذ انتشارها سنة 1991 على اقليم الصحراء الغربية، والذي حظي بتغطية إعلامية بعناية عن طريق العهدة التي منحت لها من طرف مجلس الأمن والتي تحثها على المضي نحو الحرية، فإن النتيجة الوحيدة الأكيدة والتي يمكن التحقق منها، والتي يمكن أن تعتمد عليها مينورسو لا محالة، بعد 23 سنة من وجودها في المنطقة، هي أنها قد ساهمت بشكل كبير في “تعفين” الوضع في الإقليم الصحراوي ونزع المصداقية، بشكل لا رجعة عنه، عن الأمم المتحدة في عيون شعب كان يبني، إلى وقت غير بعيد، آمالا عريضة على قدرتها على إرجاع حقوقه إليه.ولنقلها بوضوح، إن مينورسو قد أخلت بمهمتها، وانبطحت أمام القوة الاستعمارية المغربية وخضعت لأوامرها، وظهرت عاجزة بشكل محزن عن الوفاء بالتزاماتها وتنظيم استفتاء تقرير المصير الذي كان ينبغي، خلال الأشهر التي تلت انتشارها في المستعمرة الاسبانية السابقة، أن يمكن الشعب الصحراوي من تقرير مستقبله بحرية.والأخطر من ذلك أيضا أن مينورسو التي حادت عن مهمتها الأولى، ألا وهي مساعدة تحقيق القضاء على الاستعمار في الصحراء الغربية، آخر مستعمرة في إفريقيا، وتحولت، عبر السنين، إلى قوة ملحقة تساعد الجيش المغربي في مهامه اليومية في الإبقاء على النظام الاستعماري. ولأنها لا تملك أي طموح أو مهمة محددة عدا مساعدة المحتل الاستعماري المغربي في القضاء على المقاتلين الصحراويين، ومنه إجبار الشعب الصحراوي تدريجيا على قبول الأمر الواقع الذي تريد السلطات أن تفرضه عليه، فقد تحولت مينورسو، وهذه حقيقة ماثلة لجميع الملاحظين اليقظين للملف الصحراوي، وهي عبء ثقيل على المجتمع الدولي وعلى الصحراويين.وبرفضها القاطع أن تتكفل، كما تدعوها إلى ذلك بانتظام العديد من المنظمات الإنسانية والحقوقية، بالدفاع عن آلاف المدنيين الصحراويين، الذين يتعرضون باستمرار لتعسف المخزن، فقد فقدت مينورسو أي جدوى، ولم يعد لديها ما تفعله في الصحراء الغربية.ومن مصلحة الصحراويين ومموليها أنفسهم، يجب عليها في أسرع وقت ممكن أن تحزم أمرها مجددا أو تغادر الإقليم. وعلى أي حال، كيف يقبل أن تعتقل القوات بانتظام وبعنف ووحشية لا توصف أمام مسؤوليها ومقراتها في مختلف مناطق الصحراء الغربية المحتله، مسالمين لا يطالبون إلا بتنظيم الاستفتاء الذي هو في الواقع مبرر وجودها وتواجدها في الإقليم؟ ومن تكبيل الصحراويين، ومنعهم من التعبير عن سخطهم من الوجود الاستعماري المغربي ومنع المجتمع الدولي من الإطلاع على حجم معاناتهم وتحملهم، لا يدخر النظام المغربي، في الآونة الأخيرة أي وسيلة . وكالعادة كانت الأضرار الجانبية عديدة وخطيرة.ولا يمكن للصحراويين المنهكين الذين يتعرضون يوميا للمضايقات والإهانات على يد قوات الاحتلال المغربية، ألا يتساءلوا، من الآن وصاعدا، عن فائدة وتأثير استراتيجية المقاومة السلمية المفضلة إلى الآن. ولم يعد بإمكانهم أن يمتنعوا عن التساؤل، في الوقت الحاضر، إلى متى يمكنهم أن يقبلوا مواجهة العنف والهمجية العمياء للمخزن المطمئن لإفلاته من العقاب، بصرخات الغضب والاستغاثة فقط. لم يعد بإمكانهم أن لا يتساءلوا إلى متى يمكنهم الاستمرار، أمام لامبالاة المجتمع الدولي، في مقاومة إغراء مواجهة النظام المغربي وقواته الأمنية بالعنف للدفاع عن أنفسهم وعن أطفالهم وأسرهم وممتلكاتهم.وبعد أن فاض بهم الكيل وخاب أملهم بسبب التجاهل الذي يتعامل به المجتمع الدولي مع مقاومتهم السلمية والصامدة والشجاعة، لا يمكن للصحراويين، من الآن وصاعدا، إلا أن يفكروا بعمق في جدوى استراتيجيتهم السلمية. وفي مقابل المناظر الصادمة والمتكررة للزوجات والأخوات اللواتي يتعرضن للاغتصاب، والإخوان أو الأصدقاء الذين يقتلون بانتظام، أو يجرحون أو يسجنون ظلما من قِبل المجموعات الحضرية للأمن، يبدو الصحراويون مقتنعين أكثر فأكثر بأن الوسائل السلمية لم تكن ذات فائدة كبيرة أمام القدرات التدميرية لجهاز القمع المغربي.وعلى أي حال، فإن هذه الوسائل السلمية لمن تمنع السلطات المغربية من تطويق جميع المناطق المحتلة للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية وإخضاعها لنظام الظلم الذي شجع كل التجاوزات والانحرافات. وكما كان يقول الجنرال جياب إن الاستعمار تلميذ غبي لا يحفظ أي درس من التاريخ . والاستعمار المغربي ليس مجرد تلميذ غبي فحسب، فقد أظهرت لنا الثلاثون سنة الأخيرة ذلك، بل هو تلميذ وقح، وبلا أخلاق، وقليل الاحترام لغيره ومعتاد على أن لا يخشى سوى أولئك الذين يبدون استعدادا لمواجهته بحزم في الدفاع عن حقوقهم وحريتهم.وقد ساعده على صلفه الحكومات الفرنسية لمتعاقبة والحزب الاشتراكي العمالي الإسباني الذي يدين له بالفضل، وهذا ما يجب أن لا ننساه، في وصوله إلى السلطة بعد اعتداءات أتوتشات، والمملكة المغربية هي بصدد “تجريب سياسة استعمارية موصوفة في الصحراء الغربية تهدد الاستقرار والسلم في منطقة الشمال الغربي لإفريقيا وتزرع الكراهية والفتنة بين الشعوب. تلك الشعوب التي يجمعها كل شيء: الدين، والتاريخ والجغرافيا، واللغة والثقافة..إلى متى يجب أن تتحمل شعوب الشمال الغربي لإفريقيا في استكانة النزوات والممارسات المهينة للعائلة الملكية وتقبل، دون اكتراث، تحمل العواقب الكارثية لسياسة التعفين التي تنتهجها مع ما تواجهه من الآن وصاعدا من خطر فقد كرامتها وشرفها؟

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات