38serv

+ -

قال الكثيرون قبل الانتخابات الرئاسية إنها لن تعرف أي مفاجأة تذكر، وحتى وإن كانت السيناريوهات التي روّجت لها المضاربات كثيرة ومتنوعة، والتي تمكنت، خاصة مع مشاركة رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس في الانتخابات، من ”تلهية” الكثيرين، بل وولدت نوعا من الترقب الذي لم يكن لا منطقيا ولا مبررا، فإن الصيغة التي تم اختيارها من أجل ”جمع الآراء” حول تعديل الدستور، ومِمّن قبل بمنطق السلطة في إدارة العملية، كانت إضافة لكأس مليانة بـ«التحايل” وبـ«تضييع الفرص” ومليانة بألوان من الإخفاقات. كيف يمكن لـ«جماعة سلطوية” واحدة، يضاف لها لويزة حنون أن تتحجج بالشيء ونقيضه في آن واحد. فهم أكدوا أنه: ليس من الديمقراطية تحديد العهدات، وليس من الديمقراطية حرمان الرئيس من الترشح لأن ”الحكم للشعب” و«السيادة للشعب”. واليوم يكتبون في مبررات تحديد العهدات: إنها من ضرورات التداول الديمقراطي على السلطة!

ذلك يعني شيئا أساسيا، الأمر ليس قناعة سياسية أو دستورية بل هو مجرد إدارة وإدارة لا تعير اهتماما حتى للشكليات البسيطة في تبني المتناقضات وفي ظرف زمني قصير. الواقع الحديث عن التناقض عند هؤلاء هو مجرد ”انطباع” خاطئ، إذ لا يمكن انتظار أي شيء من مجموعة الحكم القائم غير ما تنتجه على رداءته.هذه الإدارة تؤكد مسألة منطقية أساسية: كل هذا ليس حلا وإنما تخبط سياسي وهروب من استحقاق التغيير والانتقال إلى مرحلة أخرى، بل كل هذا جزء من أزمة وتعبير قوي عنها. وكأن الجماعة تقول لنا: لا شيء يتغير إلا في الوقت الذي نحدده نحن وفي الاتجاه الذي نقرره نحن ومع الأطراف التي نختار نحن. لقد سبق أن كتبت أقول: منظومة الريع والفساد صارت اليوم مخيفة، ومهما كانت مجموعاتها وعصبها تفكر بطريقة متطابقة حتى وإن اختلفت مصالحها وتدافعت بل وحتى لو ظهرت أو أظهرت خلافا حادا، مقابلها هناك قوى سياسية اجتماعية مختلفة المشارب غير فاعلة الآن، منها شخصيات ساهمت في بناء الدولة وفي إدارة شؤونها، بل وتتحمل جزءا من المسؤولية على ما تعيشه من مشكلات، بدأت تعلي صوتها وتحذر من المخاطر التي صارت تهدد البلاد نتيجة تناحر أطراف من منظومة الريع والفساد. هذه القوى تتحرك على ما يبدو بشكل غير منسق لكنها تتحرك في اتجاه واحد وهو محاولة حماية استقرار البلاد وإنقاذها من تناحر مكونات المنظومة الحاكمة. لهذا أقول: معلوم، حتى عند غير المتخصصين، أن السياسة خاضعة لعوامل موضوعية عنيدة في أحيان كثيرة، ومنها ما تسميه اللغة السياسية موازين القوى. دعنا نحصرها جدلا في ثلاثة أطراف: السلطة بمختلف مكوناتها وأدواتها السياسية وغير السياسية، خاصة منها الرئاسة والمؤسسة العسكرية وذراعها الأمني (المخابرات)، وهناك ما أسميه ”منظومة الريع والفساد” ثم هناك أخيرا قوى سياسية متنوعة موقفها من السلطة ومن منظومة الريع والفساد مختلف ومتباعد، وهو يتنوع أحيانا، بين المشاركة والمعارضة، كما هو حال حمس، وغيرها كثير. فمَن مِن هذه الأطراف أكثر تأثيرا على القرار وعلى ”تعديل الدستور”؟! المرجح منطقيا السلطة ومنظومة الريع والفساد. ولكن ينبغي القول إن هناك من يجزم بأن منظومة الفساد هي نفسها منظومة الحكم وأن التطابق بينهما حدث منذ فترة، وأنه لا يمكن الحديث عن موازين قوة، لأن القوة واحدة، حتى وإن حدثت في داخلها فتن، فهي فتن سلطوية لا تحمل أي حل، لأنه ليس من المهم من يتغلب على الآخر بين أطراف الحكم والسلطة، المهم هو الخروج الكلي من هذا النظام، لأن كأس إخفاقاته ”مليانة بزاف”، وهي تكاد تغرقه وتجرف ما تبقى من الدولة وهيبتها. ولكن حتى هذه الوحدة السلطوية تقود إلى النتيجة نفسها: اجتماع احتكار السلطة باحتكار الثروة يؤدي إلى سقوط الأنظمة حتما. لهذا فإن أصوات العقل والحكمة التي ترتفع في وجه هذه المنظومة المتأزمة المزهوة بـ«الرابعة” إما أن تجد آذانا صاغية أو أنها ستصل إلى خلاصة أن لا حياة لمن تنادي، وهذا المرجح اليوم، وحينها فإن كلاما آخر سيقال. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: