38serv

+ -

إن كانت المقولة السائدة ”أعطني مسرحا أعطيك شعبا عظيما”، فإن الإعلام بكل تشكيلاته في العصر الحالي يلعب نفس دور المسرح، فأعطني إعلاما حرا أعطيك دولة وشعبا. يتذكر الجميع أنه في سنوات العشرية الحمراء أو السوداء، حين هرب الكثيرون وبقي الكثيرون خارج الوطن، ورفض البعض المسؤولية، وربما يتذكر الكثيرون أن حزب جبهة التحرير الوطني توسل أبناء الشعب ومناضليه من أجل الترشح باسمه، وإدراج أسمائهم في قوائمه الانتخابية.. في هذه الأجواء بقي الصحفيون مع همومهم وحاجتهم ووضعياتهم الاجتماعية، يواجهون الموت ويدافعون عن حرية الكلمة، وقول الحقيقة.. يدافعون عن الوطن، عن الجمهورية، عن الجزائر، يدافعون عن الحق في الحياة.. وكانت الصحافة الخاصة الجزائرية، رغم تجربتها الفتية جدا والجديدة، وصغر سن وتجربة العاملين فيها، تواجه كل الضغوط والصعوبات، ودفعت  من أرواح أبنائها الكثيرين، ومن لا يتذكر عمر أورتيلان والراحل طاهر جاووت صاحب المقولة الشهيرة ”تتكلم تموت وتصمت تموت إذن تكلم ومت”.. تبقى تجربة الصحافة الخاصة رائدة واحترامها وتقديرها من طرف الدولة الجزائرية واجبا بل ضرورة، وإن من يصفها اليوم بنقص التجربة والتكوين، فليتذكر أن هذه الصحافة بقيت في هذه الحالة، بسبب انغماسها في السنوات الأولى لانطلاقها في الدفاع عن الأمة الجزائرية، في الوقت الذي كان يجب أن تكمل أسس بنائها.. كان الصحفي مشتتا بين أن يدافع عن الوطن وأن يحمي نفسه، بين حرية المعلومة وحق المواطن في الإعلام وأمن الجزائر.. بين حالته الاجتماعية المزرية وحالة وطنه المنهارة، لم يفكر حتى في الدفاع عن حقوقه، ووضع أسس مستقبلية لتجربة حقيقية، تقوم على مبادئ متعارف عليها عالميا، بل تنازل عن الكثير منها بسبب الوضع الأمني لوطنه.. أصبحت الصحافة الخاصة بسبب ما عانته الجزائر، جزءا من بناء الدولة وركيزة مهمة للحفاظ على مقومات الأمة والمجتمع ومبادئ الجمهورية، بل والدفاع عن صورة الجزائر في الخارج، يوم كان الجميع ينظر إلى الجزائري كمصاب بفيروس معد اسمه الإرهاب.. لقد وقفت الصحافة الخاصة يومها وطيلة السنوات الماضية، جنبا إلى جنب مع كل هيئات الدولة، الجيش، الاستخبارات، الدبلوماسية، بل ولعبت أحيانا دورا يتجاوز اختصاصها، من أجل الحفاظ على الجزائر، وهي دائما تفعل ذلك بكل وطنية وأمانة والأمثلة كثيرة، والحملات التي تعرضت لها الجزائر ليست قليلة، سواء في أيام الأزمة الأمنية أو في قضية ”من يقتل من” التي روّج لها الإعلام الفرنسي أو ”قضية تيبحيرين” التي مازالت محل مساومات، أو ”اعتداء تيڤنتورين” مؤخرا، والذي أراد البعض أن يكيّفه وفق مصالحه، وحتى في مباراة كرة القدم ”مصر - الجزائر”، كان للصحافة الخاصة شرف الدفاع عن الجزائر. فكيف يأتي اليوم هذا النظام الذي بحاجة لكل صوت صادق ولو معارض ليضع الصحافة المكتوبة الخاصة محل اتهام ومساومة.. إن الدولة التي لا تملك إعلاما مسؤولا وحرا وإن ملكته تحاربه بكل الطرق، لا تنتظر منها أن تكون صادقة في تصوراتها وفي خططها المستقبلية، ولا في علاقتها مع المحكومين، لأن الإعلام المعارض كالمعارضة السياسية، هما الركيزتان الأساسيتان اللتان بقيتا للشعب من أجل فضح أي انحراف للنظام وأي تجاوز أيضا، وكشف أخطائه وتصحيح مساره بعد أن صودرت كل القنوات الأخرى.. وإن كان النظام يعتبر المعارضة منافسا، فإن الإعلام شريك وإن كان معارضا، لأن الدولة التي لا تجد فيها صوتا معارضا هي دولة ديكتاتورية وقامعة لا تنتظر منها إلا الزوال والفناء مهما طال أمدها. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: