+ -

قيل عن الكثير من فطاحلة الأدب العربي، إنهم يجهلون اللغة وأنهم يرتكبون الأخطاء النحوية والإملائية العديدة، وهذا الرأي رائد في كل تاريخ الآداب العالمية، والحقيقة أن ثمة سوء تفاهم كبير في هذا الموضوع، لأن الكاتب ليس لغويا ولا نحويا، إذ أن الإبداع الأدبي شيء آخر فالبحتري والهمداني والحريري وواضع “ألف ليلة وليلة”، المجهول الهوية والمعري والجاحظ وغيرهم من الكتّاب الذين أسسوا الثقافة العربية الإسلامية قد اتهموا، في عصرهم بعدم معرفة القواعد اللغوية والنحوية وكان سيبويه يلعب دور المراقب و»العساس” آنذاكǃلكننا نعلم أن لكل لغة معضلاتها ووسائلها ونزاعاتها وخلافاتها، كما أنه توجد في كل لغة أشكال من القصور عن الاستجابة الكاملة للحاجات المستجدة، خاصة والكل يعلم المعارك الكلامية في الماضي بين المدارس اللغوية والنحوية وأشهرها مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة، خاصة وأن حداثة اللغة تظهر في بيئة زمكانية معيّنة، فتعكس محتويات هذه البيئة وتحدد بمقتضياتها، ثم تنتقل مع استمرارها في الوجود إلى بيئات أخرى تختلف قليلا أو كثيرا عن البيئة التي نشأت فيها وعن المناخ السياسي المسيطر في الفترة المعنية على وجه الخصوص، فيطرح آنذاك الوفاء بالتعبير عن المستجدات التي لم تعهدها من قبل ويفرض هذا التحدي على علماء اللغة والمبدعين فيها والمستهلكين لها، استثمار طاقاتها الداخلية الجبارة إلى أبعد الحدود القصوى، باستخدام أدوات الاستخراج المعروفة وهي الاشتقاق، التركيب، التوليد والاقتباس من اللغات الأجنبية الأخرى دونما تعصّب ولا أنانية، نظرا لأن اللغات أو بالأحرى لغة الآخر تقتبس كثيرا هي الأخرى من اللغة العربية ويحصل كل هذا تحت محك السياسة وإيديولوجيات وتطاحن الأفكار والعلاقات البشرية.. إلخ.ومن الأمور التي تعقّد هذه الإشكالية الصعبة في حدّ ذاتها، مشكل الانفصام الذي تواجهه اللغة وهي تنتقل من بلد عربي إلى آخر، فتواجه هكذا بيئات مختلفة ونماذج سياسية متناقضة وواقع اجتماعي مغاير وحتى مناخات طبيعية مغايرة، فيأتي تلقائيا مشكل الانفصام بين المكتوب والملهوج، أي بين العامة والفصحى ويرجع هذا المجال الاختلافي والانفصامي إلى كون المكتوب يعبّر عن المبهمات والأمور الفلسفية والعلمية والسياسية، أما “الملهوج” فهو يعبّر عن الأشياء المادية الصغيرة وبالأصح عن الأمور المنزلية والعاطفية (الذاتية) للشخص وللفرد، ولكن اللغة العربية لا تنفرد بهذه الإشكالية، ففي كل دول العالم نجد لغة مكتوبة ولغة “مكلومة” ولكن البعض يزعم في الجزائر مثلا أن هذا الوجود المزدوج اللغة أي المكتوب و»المحكي” لا تتصف به إلا اللغة العربيةǃ وهذا ليس فقط خطأ فادحا وإنما هو يعبّر عن عقدة المستعمر وعن موقف رجعي نيوكلونيالي تضطلع به الفرانكوفونيا على وجه الخصوص، التي تعرف كيف تصنّف الكذب المبرّح بمساعدة المغرضين الجزائريين والعملاء الذين لا يزالون يعانون من انفصامهم بالنسبة لـ»فافا”ǃذلك أن هذا الموقف الرجعي الذي صنف أثناء الفترة الاستعمارية والذي لا زال يصنّف في الفترة الحالية، يحاول خلق الالتباس والبلبلة، بتعيين اللغة العربية المكتوبة والمعاصرة لغة كلاسيكية قديمة وتقليدية (لغة قاص؟ǃ) وبهذه الحجة الكاذبة يحاولون –كذلك- برهنة ضعف اللغة العربية على استيعاب الجديد والعلمي والفلسفي والمبهم حتى يقدّموا الحجة على تفوّق اللغات الأخرى (ولا سيما الفرنسية على وجه الخصوص) على اللغة العربية.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: