شخص كبير في السنّ لا يستطيع أن يحفَظ القرآن كلّه، فهل سيحرَم من نعمة الارتقاء في درجات الجنّة كما يرتقبها الحفظة يوم القيامة؟ وهل سيحرَم من الفضل، الّذي ذكر في أحاديث كثيرة من أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟

+ -

  أوّلاً، بارَك اللّه فيك على حفظ كلام اللّه تعالى وعلى نيل الأجر العظيم منه سبحانه وتعالى، واعلَم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أخبرنا أنّ المؤمن ينال بصدق نيّته أجر العاملين، فمَن نوى قيام الليل ثمّ أصابه مرض منعه منه كان له أجر كما لو أنّه قام به إن كان صادقًا حقًّا فيما نوى. ومَن نوى الصوم ولم يستطع لمرض أصابه فله الأجر كما لو صام. ومَن نوى الحجّ ولم يستطعه لفقر أو مرض فإن له أجر الحاجّ فعلاً، وغير ذلك من الأمثلة، منها قضيتك أنت، فأنت تريد حفظ القرآن كلّه لكنّك لا تستطيع فاللّه تعالى يجازيك بحسب نيّتك إن كنتَ صادقًا، ودليل صدقك أن تجتهد في حفظ ما تيسّر منه ولو آية كلّ أسبوع تحفظها وتتقنها وتعمل بها، فإن لك الأجر العظيم إن شاء اللّه تعالى، وكأنّك حفظت القرآن كلّه، بشرط المداومة وعدم الانقطاع مع الإخلاص للّه وحده لا شريك له في ذلك.قال اللّه تعالى في الّذين لم يستطيعوا الخروج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم للجهاد في سبيل اللّه: {ليْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا للّه وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللّه غَفُورٌ رحِيمٌ وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} التوبة:91-92.والقرآن كلام اللّه، على المؤمن أن يتلوه وأن يحفظه وأن يتدبّره وأن يفهم معانيه وأن يعمل به مع الإخلاص، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “وما اجتمع قوم في بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلاّ نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرّحمة، وحفّتهم الملائكة وذكرهم اللّه فيمَن عنده” رواه مسلم.وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن قرأ حرفًا من كتاب اللّه فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {ألم} حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف” أخرجه البخاري وغيره وهو حديث صحيح.وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والّذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاقّ له أجران” أخرجه البخاري ومسلم، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “خيركم من تعلّم القرآن وعلّمه” راوه البخاري.وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “إنّ للّه تعالى أهلين من النّاس، قيل: مَن هم يا رسول اللّه؟ قال: أهل القرآن هم أهل اللّه وخاصّته” أخرجه أحمد وغيره وهو صحيح، وقال صلّى اللّه عليه وسلّم: “يُقال لصاحب القرآن اقرأ وارتق ورتّل كما كنتَ ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها” رواه أحمد وأبو داود والترمذي وهو صحيح.فينبغي على أولياء التلاميذ أن يجتهدوا في تحفيظ أولادهم القرآن الكريم حتّى يكونوا أفرادًا صالحين في هذه الأمّة وحتّى يكونوا ذخرًا لها تفتخر بهم، ومن المؤسف أن نرى حرص الأولياء منصبًا على تعليم أولادهم أمورًا لا نفع فيها في كثير من الأحيان، وليس غريبًا أن نرى الشباب غارقين في بحر من المشاكل كالمخدّرات والزنا والسرقة والكذب والتّبرّج، ولو تربّوا على القرآن منذ الصغر لأدّبهم في الكبر، ففيه خير الدنيا والآخرة، وهو المعجزة الخالدة، فهو كلام ربّ العالمين.وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللّه مَا أمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} التحريم:6.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات