+ -

 وضعت الثورات العربية الجديدة أو ما يُسمى ”الربيع العربي” سقفا عاليا من الأفكار يصعب على المثقف العربي بلوغه، بعد أن عجز عن التأثير في مسار الأحداث. فظل في عزلته متفرجا يتابع الأحداث عبر شاشة التلفزيون، مثله مثل ذلك الشيخ الطاعن في السن العاجز عن الفعل والحركة.لا يمكن الحديث عن دور المثقف العربي اليوم دون العودة إلى طبيعة من يشغل الحياة الثقافية في السنوات العشر الأخيرة، مؤكدا أن المثقف في حالة استقالة.وأفضل استعمال عبارة ”من يشغل الساحة الثقافية” بدل المثقفين، لأن هؤلاء لا يمكن نعتهم بالمثقفين لعدة أسباب مرتبطة بمهام المثقف التاريخية، نوجزها في ما يلي كما حددها حسن حنفي:-برز جيل جديد من المثقفين العرب مبعثر وغير متجانس خلال مرحلة ما بعد انهيار المعسكر الاشتراكي. هذا الجيل ورث الارتياب من الماركسية. وتخلى عن الأيديولوجية بمختلف توجهاتها، اعتقادا منه أن الأيديولوجية تعني تقييد الحريات الفردية، فمهد لبروز جيل جديد يكتب دون سند فكري، جيل منفصل عن اللحظة التاريخية، رفض استيعاب ”وصايا الأجداد” وراح يهيم في أرض خراب.-هذا الجيل الأول راح يحلم بالغرب وبالمجتمع الاستهلاكي، وبالحداثة التي تعني منظومة التفكير المعادية للماركسية التي ارتبطت في ذهنه بالإلحاد والشيوعية والحزب الواحد والستالينية.-فتح هذا الجيل أعينه على ظاهرة مدح الغرب والليبرالية وكل القيم المرتبطة بها، فسار وراء وهم الديمقراطية الغربية في تصورها ما قبل الديمقراطي الاجتماعي، لكنه لم يجد أمامه سوى الخراب.-انفصل هذا الجيل عن هموم الشارع العربي كما يبدو في مجمل الروايات التي نشرت في السنوات الأخيرة، واهتم بالبطل ”الكاتب” الذي يسوق مجموعة من التأوهات ويعبر عن ذاته المنكسرة، ما وضع الرواية العربية في مأزق حقيقي.-انغلق هذا الجيل داخل ذاته، وأصبح يفكر من منطلق ”الأنا” للتخلص من منطق القبيلة والجماعة والزمرة والعائلة (رموز التسلط) التي كانت سائدة.-سئم المنتمون لهؤلاء الذين يشغلون الساحة الثقافية من كل ما يوحي للجماعة. الجماعة أصبحت هي الجحيم.-فضل هذا الجيل الانطواء عوض الانخراط في هموم المجتمع العربي، وأصبح يعيش حالة انفصام.والنتيجة أن المثقف العربي وقع في مأزق، هؤلاء الذين يشغلون الساحة الثقافية اليوم قتلوا المثقف لأنهم أصبحوا كتابا بلا قراء ودون أي تأثير، كتاب منفصلون عن اللحظة التاريخية التي تعطي للعمل الإبداعي إمكانية التحول إلى نص يثير شعورا لدى القارئ، هو شعور ”التملك”، تملُّك النص الذي يكتبه الكاتب. إنهم مجموعة من الكتاب لا يصنعون المقروئية. فنتج الفراغ والخواء المعرفي الفظيع، وانتشرت كتابات مجردة وخالية من المتن المعرفي القادر على التأسيس لقراءة واعية ومغايرة تختلف عن القراءة الفجة التي تقوم على اجترار نظريات فلسفية تعطي الانطباع بأن الفكر الحداثي عندنا كان ضد اللحظة التاريخية.هكذا نشهد اليوم نهاية الكاتب المثقف وظهور الكتبة أو الجماعة التي تشغل الحياة الثقافية، أو المخربشين غير القادرين على تكوين الوعي الجماهيري.إن المثقف العربي، أصبح حسب حسن حنفي دائما،  جزءا من الماضي، والشارع العربي هو القوة لجديدة التي برزت، وهي القادرة على التأثير دون المرور عبر إسهامات المثقفين مثلما حدث في الغرب. فالوعي العربي انتشر ليس في أوساط النخب المثقفة بل في أوساط العامة. وهذه هي الميزة الجديدة التي انتشرت في الوطن العربي. وأولئك العوام الذين كان ينظر إليهم المثقف بكثير من الاحتقار وعدم التقدير وبنية سيئة في الغالب، هم الذين صنعوا اللحظة التاريخية، في الوقت الذي عجز هو عن فعل أي شيء يذكر.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: