ايران كسبت وأمريكا تهمش العرب بتجاهلهم

+ -

بعد ما يقرب من اسبوع من سيطرة تحالف “الدولة الاسلامية” وحلفائها على الموصل والفلوجة وتكريت وتلعفر واقتراب قواته من بغداد، يمكن رصد ثلاثة تطورات على درجة كبيرة من الخطورة يمكن ان تؤدي الى قلب المعادلات السياسية، وربما العسكرية في المنطقة كلها وليس سورية والعراق فقط. الاول: التقارب الايراني الأميركي، والغزل السياسي المتبادل بين الطرفين الذي قد يتوج بتنسيق كامل بينهما في العراق، ولمواجهة الزحف المسلح نحو بغداد ومدن اخرى. الثاني: تلميح جون كيري وزير الخارجية الأميركي اليوم الى ان من ابرز الخيارات التي يمكن ان يتبناها الرئيس الأميركي باراك اوباما في الايام القليلة المقبلة استخدام طائراته بدون طيار “الدرونز″ في العراق لوقف زحف المسلحين وتنظيم “الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص. الثالث: احكام السلطات الكردية سيطرتها على مدينة كركوك وهو ما لم تستطع فعله طوال السنوات الماضية، الامر الذي يمهد لها الطريق لاعلان “الاستقلال” وانفصال اقليم كردستان كليا عن العراق، مما عرقل هذا الاعلان عدم حسم هوية ومستقبل هذه المدينة المختلطة عرقيا، وتحتوي على معظم الاحتياطات النفطية العراقية الشمالية، وتعتبر “قدس الاقداس″ بالنسبة الى السيد مسعود بارزاني زعيم الاقليم.    اللافت ان هناك حالة من الاهمال والتهميش، بل والاحتقار للدول العربية من قبل الادارة الأميركية في مقابل اعتمادها التنسيق مع ايران، والتفاهم معها حول كيفية احباط الهجوم الحالي واستعادة المدن التي سقطت في يد “التحالف السني بقيادة داعش” على حد وصفهم، وهذا اعتراف أميركي واضح بايران كقوة اقليمية عظمى وشريك استراتيجي في المنطقة.  المحور الايراني السوري يحقق تقدما على حساب المحور الخليجي الذي لم يتردد عن اعلان دعمه الكامل لـ “الثورة” التي انطلقت من شمال العراق ضد حكومة المالكي والتحالف “الشيعي” الداعم لها، ولا نعتقد ان التنسيق الأميركي الايراني، لو بدأ فعلا، وهذا مرجح، سيتوقف عند الحدود العراقية، بل سيتمدد الى سورية وربما الى مناطق اخرى، وبما يوجه صفعة قوية لهذا المحور الذي انفق المليارات على تسليح المعارضة السورية ودعمها عسكريا واعلاميا.  ايران، اختلفنا معها او اتفقنا، تحقق الانتصار تلو الآخر، في المجالين السياسي والعسكري، والاقليمي والدولي لانها تملك مشروعا، وتحسب خطواتها جيدا، وتدعم حلفاءها وفوق كل هذا وذاك، امتلاكها لكل اسباب القوة العسكرية الذاتية، مما خلق لها هيبة عالمية، وشكل قوة ردع في وجه الآخرين، وهي القوة التي اجبرت الادارة الأميركية على التفاوض معها والرضوخ لمعظم شروطها، ورفع تدريجي للحصار المفروض عليها، ونحن هنا نتحدث عن حقائق على الارض لا يمكن تجاهلها او التقليل من شأنها ولا ندفن رأسنا في الرمال مثل آخرين.  اقدام أميركا على استخدام طائرات “الدرونز″ في العراق ضد طرف في الصراع في مواجهة الطرف الآخر، تحت عنوان مكافحة “الارهاب” هو عودة من النافذة الى العراق مجددا، ولكن دون التورط المباشر، اي ارسال قوات المارينز مجددا لتجنب الخسائر البشرية، تماما مثلما يحدث في اليمن وافغانستان وليبيا وقريبا جدا قي سورية.  أميركا تريد السيطرة على الجو وتترك السيطرة على الارض الى حلفائها العراقيين والايرانيين الجدد، اذا استطاعوا ذلك، ولكن هذه السياسة الأميركية الجديدة قد تكون مكلفة علاوة على كونها غير مضمونة النتائج، هذه اذا لم تعط نتائج عكسية.  تدخل أميركا في الصراع في العراق لن يقض على الارهاب ولكنه سيضفي "شرعية" اسلامية عليه ويحشد قطاعا من العراقيين خلفه، فطائرات "الدرونز" هذه ستوحد معظم ابناء الطائفة السنية خلف القوى التي ستطلق على نفسها “مقاومة” ضد التدخل الأميركي و"عملائه" في العراق، وربما تجد هذه القوى دعما من مختلف انحاء العالم العربي وربما العمق الاسلامي ايضا، مثلما حدث بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، فالكراهية لامريكا ما زالت قاسما مشتركا بين معظم الشعوب الاسلامية.  الطائرات بدون طيار تعمل في اليمن منذ اكثر من عشر سنوات تقريبا، ولم تنجح مطلقا في القضاء على فرع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية على ارضه، رغم توظيف الجيش اليمني لهذه لمهمة، ودعمه بالاسلحة والذخيرة والتدريب الحديث و”استشارات” خبراء وكالة المخابرات المركزية (سي اي ايه). وما يقال عن اليمن يقال ايضا عن افغانستان، فمنذ 13 عاما والطائرات بدون طيار تقصف تجمعات حركة طالبان، وتغتال رموزها، وقيادات القاعدة، ومع ذلك ازدادت طالبان قوة، واتسعت رقعة سيطرتها على الارض الافغانية، وها هو اوباما يرضخ لمطالبها في الافراج عن خمسة من ابرز قياداتها كانوا محتجزين في قاعدة غوانتانامو مقابل اطلاق سراح جندي أميركي في كسر لقاعدة أميركية ذهبية بعدم التفاوض مع ارهابيين والرضوخ لمطالبهم؟  استخدام طائرات "الدرونز" ادى الى مقتل خمسة آلاف افغاني اكثر من ثلثهم من الاطفال والنساء، فكم مرة القت هذه الطائرات حمم صواريخها على اعراس او مدارس ابتدائية، والشيء نفسه حصل في اليمن، وسيتكرر مستقبلا في العراق، هذا الاستخدام غير اخلاقي وغير قانوني واحد اكبر الادلة على جبن الادارة الأميركية واستكبارها.   التركيز على الحلول العسكرية للازمة المتفاقمة في العراق سيزيدها تفاقما، وسيعمق حالة الاستقطاب الطائفي في المنطقة بأسرها، وسيجعل من أميركا والغرب هدفا لهجمات ربما تكون اكثر خطورة من سابقاتها، فالازمة في العراق سياسية، وتعود جذورها الى سياسات التهميش والاقصاء والديكتاتورية تحت عنوان الديمقراطية،  وهي ممارسات استمرت طوال السنوات العشر الماضية، وبتشجيع من الاحتلال الأميركي.  المخرج في رأينا يتمثل في عقد مؤتمر لكل الاطراف المؤثرة في الصراع، العراقية منها وغير العراقية، وتشكيل حكومة انقاذ وطني تتمثل فيها كل الوان الطيف العراقي، الطائفي والعرقي بقيادة شخصية تحظى باحترام النسبة الاكبر من العراقيين وكتلهم السياسية، ومعروفة بعدم طائفيتها وحرصها على العراق وهويته الجامعة الموحدة، ومن المؤكد ان هناك العديد من هذه الشخصيات في العراق اليوم.  التدخل العسكري الأميركي هو الداء الاخطر وليس الدواء، فكل مصائب العراق والمنطقة بأسرها جاءت بسبب هذا التدخل الذي يجب ان يرفضه الجميع دون تردد، فقد لدغنا من الجحر الأميركي وخسرنا العراق ومليون من ابنائه ووحدته الترابية والديمغرافية ومن العار ان نلدغ من الافعى نفسها مرة اخرى وفي اقل من عشر اعوام، آن الاوان لكي نتعلم من اخطائنا، ونكون غير اغبياء ولو لمرة واحدة وانا اتحدث هنا عن العرب.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات