38serv

+ -

ما الذي يجعل الثقافة السياسية هامشية في إطار القوى السياسية الوطنية، بما في ذلك القوى الأكثر طليعية؟ ولا نقصد هنا الثقافة السياسية بالمعنى البسيط أي السياسة الملهية أو الملهائية (أي سياسة الحطب الرنانة والمهرجانات الثرثارة والمقالات الفاقدة لكل معيار تحليلي جيد)، بل نقصد السياسة بالمعنى النيل والعميق والدقيق، أي تلك التي تلجأ عند إنتاجها النظري إلى الذكاء والحس والحدس وحب الناس والشغف بأمور الوطن الذي يريد الارتقاء بالشعب إلى أكبر التطورات في كل المجالات، أي المجالات المادية والاقتصادية والنفسية والتاريخية، أي - كذلك - تلك السياسة الراقية التي تشتغل وتتحرك من خلال نظرية أساسية بالمعنى الوارد في الكلمة والتي ترفض كل كلام غوغائي يستعمل الحيلة والخداع والمُكر ويؤسس لنظرية الفراغ، خاصة وأن مثل هذا الخطب السياسي يفتقر إلى تحليل معمق للواقع الاجتماعي (والذهني). فيمهد هذا الوضع لنتائج سلبية. وعكس هذا المنظور السياسي يؤدي دائما إلى الرفض العنيف والعنف السوقي واللامبالاة القاهرة عند المواطن الذي يكرس ويكرر هذه المقولة: ”أنا خاطيني البوليتيكا”. فيمكن القول إذن، إن فقر النظرية العامة يمهد لنتائج وخيمة ومدمرة، ذلك أن السياسة الخاطئة في هذا الحقل، تعكس خطأ في مفهوم السياسي نفسه وككل. إذ لا يمكن فصل الفعل السياسي من وجهة نظر علمية، عن العمل الاجتماعي والحضري في آن، فلا ثورة سياسية بدون نظرية علمية ولا نظرية ثورية بدون تمييز خام للنظرية، أي بدون تطبيقها بشكل خلاق على واقع اجتماعي محدد لإنتاج معرفة سياسية تربط من يعملون في هذا الحقل الحساس بالواقع الصعب. وما نلاحظه في الجزائر - في هذا المجال- هو فشل النخب وفشل العوام كذلكǃ فيتيه هكذا المواطن العادي في متاهات القلق والغضب والتدمير والإحباط واليأس، فيقوم بأعمال تدميرية بالنسبة لنفسه (تزايد عدد الانتحارات بطريقة رهيبة) وبالنسبة لكيان الدولة (تفاقم الانتفاضات والمظاهرات ومراسم العنف، بطريقة مخيفة) فيفرض الاستهتار نفسه عند الطبقات المحرومة ويصبح هو السياسة بعينها. ومثل ذلك ما يقدمه الشارع من نكة استفزازية لا ترحم ولا تغيث (وهكذا ظهرت نكتة ضد السعيد سعدي عندما قام بمظاهرات هزيلة في قعر الأحياء الشعبية بالعاصمة، فشاعت هكذا مقولة ”السعيد سامْدي” وأجبرت زعيم الـ RCD آنذاك على الاستقالة والخروج من العمل السياسي المباشر). إلا أن الأستاذ سعيد سعدي، سرعان ما عاد إلى الحلبة السياسية (لأن الزعامة مرض عضال (ǃ) ودخل في خانة المعارضة وعانق شيخ من شيوخ الفيس المحظور (السيد جودي)، ثم رأينا الـ FFS الذي كان في الماضي القريب حزبا وطيدا ونزيها يضع رجلا في السلطة ورجلا في المعارضة، فصدمنا بدهشة لا مثيل لهاǃ وفي نفس الآونة شاهدنا سقوط مدينة الموصل في العراق، تلك المدينة التي أنجبت كبار العلماء والفقهاء والفنانين العرب (ومن بينهم الوسيطي الذي قدم للعالم موضة الربع رنة) أثناء الفترة الذهبية التي عاشتها الخلافات الإسلامية.ومن ذبذبة الساسة في الجزائر إلى ذبذبة الساسة في الولايات المتحدة (أنظر تصريحات الرئيس أوباما حول الموضوع) التي صممت الدخول في حرب العراق الثالثة، يتجلى لنا خيطا واصلا وجدليا بين هذا الأمر وذاك.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: