أَلَا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ

38serv

+ -

 تقرّر هذه القاعدة الإيمانية العظيمة أمرًا ما يزال البشر يبحثون عن سرّه ويسعون لدركه، ولا يزالون في تعب ما لم يخضعوا لحكمها ويهتدوا بهديها {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّه أَلَا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ} يقول: ألَا بذكر اللّه تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين. أي من علامات أهل الإيمان أنّهم إذا ذكروا اللّه، أو ذكّروا به، اطمأنت قلوبهم، واشتملت عليهم السّكينة، وغشيهم الأمن والسّلام، وزال قلقها واضطرابها؛ فلا يكون شيء ألذّ للقلوب من محبّة خالقها، والأنس به ومعرفته، وعلى قدر معرفتها باللّه ومحبّتها له، يكون ذكرها له.ذكروا اللّه فَذَكَرَهُم اللّه سبحانه بلطفه، وأَثْبَت الطّمأنينةَ في قلوبهم على وجه التّخصيص لهم. وإذا ذكروا أَنَّ اللّه ذَكَرَهم استروحت قلوبُهم، واستبشرت أرواحُهم، واستأنست أسرارُهم، لِمَا نالت بِذِكْرِهِ من الحياة، وإذا كان العبدُ لا يطمئن قلبُه بذِكر اللّه، فذلك لِخَللٍ في قلبه! قال ابن القيم: “إنّ طمأنينة القلب سكونه واستقراره بزوال القلق والانزعاج والاضطراب عنه، وهذا لا يتأتّى بشيء سوى اللّه تعالى وذكره البتة. وأمّا ما عداه فالطّمأنينة إليه غرور، والثّقة به عجز. قضى اللّه سبحانه وتعالى قضاءً لا مردّ له أن من اطمأن إلى شيء سواه أتاه القلق والانزعاج والاضطراب من جهته كائنًا من كان”.فإن قيل: أليس اللّه تعالى يقول في سورة الأنفال: {إنّمَا الْمُؤْمِنون الّذِين إذَا ذُكِرَ اللّه وَجِلَتْ قُلُوبُهم} والوجل ضدّ الاطمئنان، فكيف وصفهم هاهنا بالاطمئنان؟ فالجواب أنّهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثّواب والرّحمة، سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر، لأنّ الوجل هو بذِكر العقاب والطّمأنينة بذِكر الثّواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطّاعات.وإن قيل: كيف يكون القرآن سبب اطمئنان قلوب المؤمنين، وفي الوقت ذاته سببًا في قساوة قلوب الكافرين. فالجواب: إنّ سبب ذلك اختلاف القابلية فإنّ السبب الواحد تختلف آثاره وأفعاله باختلاف القابلية، وإنّما تعرف خصائص الأشياء باعتبار غالب آثارها في غالب المتأثرات، فذكرُ اللّه سبب في لين القلوب وإشراقها إذا كانت القلوب سَليمة من مرض العناد والمكابرة والكبر، فإذا حلّ فيها هذا المرض صارت إذا ذكر اللّه عندها أشدّ مرضًا ممّا كانت عليه.نعم إنّ نفس المؤمن “تطمئن بإحساسها بالصّلة باللّه، والأنس بجواره، والأمن في جانبه وفي حماه. تطمئن من قلق الوحدة، وحيرة الطّريق بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير. وتطمئن بالشّعور بالحماية من كلّ اعتداء ومن كلّ ضرّ ومن كل شرّ إلاّ بما يُشاء، مع الرّضى بالابتلاء والصّبر على البلاء. وتطمئن برحمته في الهداية والرّزق والسّتر في الدّنيا والآخرة: {أَلَا بِذِكْرِ اللّه تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}.. وليس أشقى على وجه هذه الأرض ممّن يحرمون طمأنينة الأنس إلى اللّه.. ليس أشقى في الحياة ممّن يشقّ طريقه فريدًا وحيدًا شاردًا في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين”.   *إمام وأستاذ الشريعة بجامعة الجزائر

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: