”الذاكرة الوطنية أولى مِن رفع الراية الجزائرية أمام الرسميين الفرنسيين”

+ -

 ينظر أستاذ التاريخ، الدكتور محمد القورصو، من زاوية أخرى لموضوع المشاركة في احتفالات 14 جويلية بفرنسا، بعيدا عن التنديد والاستنكار وأحكام ”التخلي عن مطلب الاعتراف بجرائم الاستعمار”، إذ يقول في حوار لـ«الخبر” إن تواجد ضباط من الجيش في الاستعراض حاملين العلم، يمثل جيش التحرير الذي قهر فرنسا أيام الاحتلال. ولا يرى القورصو مبررا للتعامل بحساسية مع هذه القضية، ”ما دام الفرنسيون يملكون الأسرار الطبية للمسؤولين الجزائريين”.ماذا تعني بالنسبة لك مشاركة الجيش الجزائري في احتفالات 14 جويلية بفرنسا؟ للحدث وجهان. ولكن ينبغي قبل ذلك معرفة ما إذا تلقت الجزائر في السابق القريب، خاصة في عهدي جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، دعوة للمشاركة في هذه الاحتفالات، ثم ما هي الغاية الإستراتيجية من الوجهة الجزائرية بقبول الدعوة ؟ بالمقابل نلاحظ أن الاحتفالات الضخمة التي أقيمت في فرنسا بمناسبة الذكرى 70 لإنزال جيوش الحلفاء بشواطئ نورمانديا، وما رافقها من تحرير فرنسا وأوروبا من النازية والفاشية، غابت عنها جيوش المستعمرات وبالأخص المجندون الجزائريون الذين تميزوا ببطولاتهم وتفانيهم في مختلف جبهات القتال، ولم يرد ذكرهم في الخطاب الرسمي الفرنسي.إن الدعوة بعدم المشاركة، التي أطلعتنا عليه الصحف، جاءت متأخرة ثم هي ردَ فعل تلقائي ومشروع، ناتج عن جرح لم يندمل بالنسبة للجزائريين وعن تعنت فرنسا ما بعد الحرب على تحمل مسؤولياتها التاريخية تجاه الشعب الجزائري، بل وتكريسها للرسالة الكولونيالية الإيجابية. آن الأوان بعد مرور 50 سنة على الاستقلال و60 سنة على ثورة التحرير، للخروج بتصورات ديناميكية مستقبلية تأخذ بعين الاعتبار الماضي الاستعماري للجزائر، والمتغيرات الجيو- إستراتيجية المحيطة بنا، بما في ذلك ما يجري على الساحة الفرنسية. لنذكر فقط أن الجزائر التي راهنت في فترة ما على الرئيس ساركوزي، أبدت أملا في فوز الاشتراكيين وهو ما تحقق، علما أن بعض أقطاب اليسار في فرنسا كان لهم السبق وكانت لديهم الشجاعة في عز حكم اليميني ساركوزي وقبله شيراك، في فتح ملف الذاكرة ومنهم عمدة باريس السابق برتراند دولانوي، الذي خلَد المجازر التي وقعت خلال مظاهرات باريس عام 1960، وكانت التفاتة لم يحضرها الجزائريون إلا رمزيا.أما الوجه الثاني وهو المشاركة في الاحتفالات، ينبغي النظر إليها في اعتقادي من زاوية أن الجيش الوطني الشعبي الجزائري هو الوريث التاريخي والشرعي لجيش التحرير الوطني. بمعنى أن الضباط الذين سيشاركون في الاستعراض، يمثَلون الجيش الذي خلَص الجزائر من الاستعمار وهذه رسالة قوية فهمتها عديد أحزاب اليمين التي تعارض هذه المشاركة، والذين تميزوا بمواقفهم العنصرية تجاه الراية الوطنية أمثال رئيس بلدية نيس ورئيس بلدية مرسيليا. ثم خيار المشاركة، هو تعبير عن حسن نية من جانب الجزائر، ينبغي أن يكون هدفها تصفية تركة الذاكرة بجميع أبعادها خاصة مسألة الأرشيف وتجريم الفعل الاستعماري.لماذا تكتمت السلطات على خبر إيفاد ضباط إلى باريس للمشاركة في الاحتفالات؟لأنها تعودت على ذلك.. هذا التكتم يعكس حقيقة الممارسة السياسية من طرف الحكام في بلادنا. فمتى قدمت الهيئات التنفيذية حصيلتها أمام البرلمان ومتى تمت محاسبة رئيس حكومة أو رئيس الجمهورية ؟ لقد تعودت السلطات على تهميش واحتقار الشعب، وحرمانه من الاطلاع على شؤون دولته. أسرد حادثة وقعت مع وزير الخارجية السابق مراد مدلسي.. قبل زيارة قام بها وزير خارجية فرنسا إلى بلادنا، صرح مدلسي بأن قضية الذاكرة ستطرح خلال لقائه به، فهل طرحت فعلا ؟ هناك تكتم على الموضوع، وعلى كثير من المواضيع الأخرى.هل تعني مشاركة الجيش الجزائري في الاحتفالات مع طابور من الحركى، أن ملف الذاكرة بما يعنيه من اعتراف بالجريمة الاستعمارية، طوي؟ لا أعتقد ذلك. لا يمكن المقامرة بمسألة الذاكرة، فهي أولى مِن أن نكون طرفا في الاحتفال يوم 14 جويلية. الذاكرة الوطنية أولى مِن رفع الراية الوطنية أمام الرسميين الفرنسيين.أقصد هل توجد برأيك إرادة جزائرية للتخلي عن مطلب الاعتراف بجرائم المستعمر؟ إذا وجدت هذه الإرادة فأنا أسميها جريمة ترتكبها السلطات في حق الشهداء والمجاهدين، وفي حق الثورة والجيل الحالي وأجيال المستقبل. ولكن رأيي أن الأمر يتعلق بمشاركة رمزية وتكتيكية، ربما لفتح ملفات عالقة. أعتقد أنها مناسبة لفتح ملفات إستراتيجية.ولنكن صرحاء مع أنفسنا عندما يتعلق الأمر بفرنسا وعلاقاتنا التاريخية بها. فما دام الرئيس بوتفليقة ووزراء ومسؤولون آخرون يعالجون بفرنسا، وما دامت أسرارهم الطبية عند الفرنسيين، وما دام قطاعاتنا الصناعية في أيدي الفرنسيين المتواجدين أيضا في جزء من منشآتنا النفطية، فلماذا هذه الحساسية من مشاركة ضباط جزائريين في الاحتفالات؟.. إن التنديد والاستنكار في هذه الحالة مزايدة ونفاق.دعني أشير هنا إلى أننا لاحظنا صمتا مطبقا هذه المرة من جانب الذين يدافعون عن ملف التجريم..لكن منظمة المجاهدين أبدت موقفا معارضا من المشاركة في احتفالات 14 جويلية.. لكنها لم تتجند في الميدان ولم تحشد قواتها للوقوف حائلا دون المشاركة. المنظمة، هيئة إدارية وسياسية بمعنى أنها مقيدة وتحركاتها محدودة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات